ترامب لم يأتِ بمشاريع جديدة إنها خطط قديمة كانت مرمية في مزابل التاريخ
إياد موصللي
المشاريع التي تطرح في هذه المرحلة بشأن فلسطين وما يطلق عليها من أسماء وعناوين وأبرزها صفقة القرن هي في الواقع ليست جديدة وإنما هي تطرح مجدّداً بعد نفض الغبار عنها.
فإذا عدنا لما سبق ان كتبه جوناثان كوك في كتاب «إسرائيل وصراع الحضارات» وهو الكاتب اليهودي الذي يقيم في الناصرة بفلسطين وعضو في هيئة تحرير صحيفتي الغارديان والاوبزرفر البريطانيتين، والذي يكتب في التايمز وانترناشيونال هيرالد تريبيون والأهرام ويكيلي ولوموند ديبلوماتيك.. والذي كتب:
«إنّ غزو العراق واحتلاله واحتمال خوض حرب أخرى مع إيران تأتي ضمن سياق تفتيت العراق ونشر الفوضى والحرب الأهلية فيه.. بل أنّ ذلك كان الهدف الذي سعت «إسرائيل» لتحقيقه في إطار إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد على نحو يسهّل السيطرة عليه والتلاعب بقدراته…!
ويتابع الكاتب فيقول: تدمير العراق وتفتيته كانا ولا يزالان على رأس الأولويات الأميركية «الإسرائيلية» ويشكك الكاتب في صدق الأعذار الرسمية التي تبرّر بها الولايات المتحدة الشراسة التي تبديها إزاء كلّ من إيران وسورية ولبنان، ويعني بها المقاومة والمناطق الفلسطينية…
إنّ أياً من هذه الدول لا يشكل خطراً حقيقياً على الأراضي الأميركية، كما لم تشكل تهديداً فعلياً لـ «إسرائيل» المدججة بالسلاح النووي.
يحاول المؤلف الإجابة عن هذه التساؤلات، قائلاً: خارج إطار الجدل السائد، الذي يصوّر المواجهة مع إيران بأحد اللونين: الأبيض أو الأسود، فيطرحها على أنها صراع العالم اليهودي المسيحي الخيِّر، ضدّ التطرف الإسلامي الشرير.
وعرض الاستاذان الجامعيان الأميركيان جون مير شايمر وستيفن والت نظرية بديلة في مقالة نشراها في مجلة لندن ريفيو اوف اكس أوردا فيها:
إنّ اللوبي الموالي لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة، نجح في دفع السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه مدمّر للذات تماماً، وجعلها تضع المصالح «الإسرائيلية» فوق مصالح واشنطن، وتسعى لتحقيق الأهداف «الإسرائيلية» متخطية الأهداف الأميركية. وكما قال هذان الأستاذان: «لقد عملت الحكومة «الإسرائيلية» والجماعات الموالية لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة معاً لتشكيل سياسة الإدارة الأميركية إزاء العراق، وسورية وإيران، وكذلك تشكيل خطتها الكبرى الرامية إلى إعادة ترتيب الشرق الأوسط». وما جعل ذلك ممكناً هو النفوذ الطاغي الذي يمارسه اللوبي الموالي لـ «إسرائيل» على السياسة الأميركية.
فقد بدأت المؤسسة العسكرية «الإسرائيلية» تطوير رؤية طموحة لـ «إسرائيل»، تقوم على اعتبارها امبراطورية صغيرة في الشرق الأوسط، قبل أكثر من عقدين من الزمن. وبعد ذلك سعت إلى العثور على راعٍ لذلك في واشنطن ليساعدها في تحقيق رؤيتها، ووجدت ذلك الراعي، متمثلاً في ترامب الذي قدّم مشاريعه وخططه محاولاً تحقيق هذا المشروع وهو ليس جديداً. فالفريق الأميركي لا يقدّم تبريراً مقنعاً لرغبة الإدارة الأميركية الواضحة في شنّ هجوم على إيران.
وأفكار «إسرائيل» عن كيفية تحقيق هذه الأهداف تستمدّ نسغها من النظرية الصهيونية، التي تملك ميراثاً غنياً في هذا المجال. فالمؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» تؤمن بأنّ هيمنة «إسرائيل» الإقليمية، وسيطرة الولايات المتحدة على النفط، يمكن تحقيقهما بالطريقة ذاتها، أيّ من خلال إحداث كارثة في الشرق الأوسط، على هيئة انهيار اجتماعي، وسلسلة من الحروب الأهلية وتجزئة الدول العربية. وهذا ما حاولت تحقيقه عبر الجماعات التكفيرية.
وعلى نحوٍ ما، كان هذا هو الهدف الحقيقي للاستراتيجية «الإسرائيلية» عن طريق ربط الاحتلال «الإسرائيلي» للمناطق الفلسطينية. وتوطين النازحين حيث هم بمساعدة الأعراب.
وبتوريط القوات الأميركية في وحْل الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، التي ترتكبها القوات «الإسرائيلية» يومياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، يصمد المشروعان معاً، أو يسقطان معاً. ويغدو مستقبل الاحتلالين، «الإسرائيلي» والأميركي متشابكين معاً على نحو لا فكاك منه.
فما يخطط له ترامب تجاه إيران ليس جديداً ولا محصوراً بها وإنما لأنّ إيران لعبت وتلعب دوراً يناقض كلّ الخطط والمشاريع المرسومة أميركياً و»إسرائيلياً»…
من هنا نفهم ما جاء على لسان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية: أنّ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهّزه أميركا و»إسرائيل» لكلّ من إيران وروسيا بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور» وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية.
فـ «إسرائيل» وأميركا في الصفقة التي يعدّون لها والتي استمدّوا موادها من روح البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون لو قرأناه بتمعّن توضحت حقيقة هذه الصفقة وروحها ومصدرها. حيث جاء:
«إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن، فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي، وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر، ومن التفوق وفوز اليد العليا الخفية.
وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها».
إنها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت أميركا تحقيقه مؤخراً عبر مشروعها الفاشل والذي عقد لأجله مؤتمر البحرين. والمساعي الإماراتية والسعودية واخواتها في التطبيع مع «إسرائيل».
حدّدنا المرض قدر استطاعتنا على التشخيص المبني على شهادات تخرّج مارسنا دروسها وأجرينا تمارينها على أرض التجربة والمعاناة الحسية والعينية فهل يبقى دورنا هو هذا وتنتهي مهمتنا… أم أننا نؤمن بأنّ فينا قوة لو جرى تفعيلها لغيّرت مسار التاريخ، وهل ستفعل تلك القوة ام تبقى حبيسة الإرادات المتخاذلة، أنّ إيماننا بقضيتنا إيمان حق وإرادة لا إيمان إحساس وتوسلات، وهذا يجعلنا نرى المستقبل الزاهي يشرق على أمتنا والإرادة الحرة سوف تحقق ذاتها بما يؤدّي الى انتصار فلسطين. فليس عاراً ان ننكب ولكن العار كلّ العار ان تحوّلنا النكبات من أمة حرة الى أمة ذليلة مستعبدة مكبّلة بقيود الذلّ والعبودية والاستسلام، إذ تمرّ على الأمم الحية القوية المحن والصعاب والنكبات، فلا يكون لها خلاص منها إلا بالإرادة وبالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة، وأنني لأرى في أجيالنا المعاصرة وما أستشفه من أجيالنا القادمة الأمل الكبير في تحقيق إرادة الأمة إرادة الحياة والبقاء والاستمرار لأنّ العمالة والاستسلام قد أعطت رصيدها، وأنّ املاءات القوى التي توغلت في أرضنا ونفوسنا لم تعد تستطيع أن تفرض المزيد، وانّ سنوات إهمال الحقوق وبصم صكوك الاستسلام قد شارفت على النهاية، فإذا كان أجدادنا قد شاهدوا الفاتحين وعاشوا تحت ذلهم وظلهم فإنّ أبناء أمتنا في أجيال الحياة الجديدة والإرادة الجديدة سيضعون حداً للفتوحات، أنّ فجراً جديداً بدأت خيوطه تلوح في الأفق وما حصل في ذكرى 15 أيار عام 2011 وقبلها عام 2006 في لبنان وما رافقها من ومضات العز سواء في تجاوز الأسلاك الشائكة للحدود المصطنعة أم في تجاوز أسلاك التوجيه المتخاذل، ما جرى في تلك الفترة أنْ هي إلا شرارات النار التي سوف تلتهب على أرضنا لتحرق الغزاة والطغاة بأيادي الأباة من قادة المستقبل وطلائع رايات فرسانه.
أنا لا أتنبّأ بل أرى وأستطلع علائم العنفوان مثلما شاهدت علائم الاستسلام من عمائم الذلّ والهوان. إنه ليوم قريب حين نشاهد جحافل النصر وبيارقه خفاقة… أنّ زوال وانحسار المؤامرات التي ادّت إلى ضياع فلسطين سيؤدّي حتماً إلى زوال ما يُدعى بدولة «إسرائيل».
أنّ هذه المخيمات وتجمعات الذلّ التي أقاموها ستتحوّل إلى معسكرات ينطلق منها الأحرار الأباة ولن تطول فترة الانتظار ولن تبقى النار تحت الرماد، فالنار اشتعلت وسيكون وقودها وحطبها أولئك الساعون الى إقامة مخيمات البؤس لتكريس حالة الانكسار، وإيماننا هذا هو وليد إرادتنا لا دعواتنا ولا صلواتنا ولا قراءات الغيب.
ونردّد ما قاله سعاده: إنّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/28