أردوغان في الفصل الأخير!
د. وفيق إبراهيم
يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توسيع حركته الخارجية لتثبيت نفوذ بلاده الإقليمي والدولي بما يطوبهُ سلطاناً على تركيا برائحة عثمانية إخوانية. فهل نجح في مشروعه أم فشل؟
نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في المدن الأساسية وفي مقدمها اسطمبول زعزعت أحلامه، فكيف يُصبح زعيماً بمواصفات عالمية فيما وضعه الداخلي التركي ليس راسخاً؟
لذلك يبدو أن تراجعه الداخلي شجع فرنسا على مجابهته من بوابة الرعاية التركية لمساجد عدة في مدنها تموّلها وتُنصِبُ عليها أئمة من الإخوان المسلمين، هنا يقول الفرنسيون إن هذه المساجد تحولت مراكز لتعبئة مسلمي فرنسا وهم بالملايين من الحائزين على جنسيات فرنسية أو عمال غير دائمين يجري تزويدهم بأكبر قدر ممكن من مفهوم الدولة عن الإخوان المسلمين، بما يعني ضرورة التحاقهم بمشروع حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان. وهذا يتسبب باستثارة الفرنسيين وخشيتهم من إعادة إنتاج خلايا إرهابية أعلى من مستوى «الذئاب المنفردة».
كذلك فإن ألمانيا تعاني من نحو أربعة ملايين تركي أو من أصول تركية، يقلدون أئمة مساجد في مدنها تابعين للإخوان المسلمين – هذا فضلاً عن ملايين من العرب يعملون في المدن الألمانية ويتأثرون بدعاة إسلاميين من الإخوان المسلمين.
يمكن ضمن هذا الإطار التأكيد على وجود تأثير «إخواني» يستفيد منه الأتراك في إطار العمالة الإسلامية المنتشرة في هولندا وايطاليا واسبانيا، حتى أن هناك معلومات أميركية وروسية تستشعر خطراً من حركة الإخوان في أقلياتها الإسلامية. وها هي الصين تنتقد علناً دور تركيا في تنظيم الألوية التركستانية العاملة في أطر تنظيمات إرهابية في سورية والعراق.
«الاخوان» إذاً هم مطيةُ أردوغان للاستحواذ على المسلمين في الغرب وهم أيضاً وسيلته لاختراق العالم العربي والإسلامي، هذا بالإضافة إلى الجيش التركي الذي يتحرك مباشرة في سورية والعراق وليبيا وقبرص وبالتسليح والتمويل في مصر وتونس والسودان والجزائر واليمن، وبأشكال سياسية ودينية مختلفة في السعودية والإمارات ودول أخرى.
ماذا عن سورية؟ تحتلّ تركيا جزءاً من أراضيها بشكل مباشر وبالتعاون مع تنظيمات إخوانية وتركستانية وإرهابية أخرى، ويتجمع الجيش التركي على الحدود السورية لدعم ألوية وإرهابيين في محافظة إدلب ومنطقة عفرين، لسبب إضافي وهو أن الجيش السوري يتحضر لتحرير هذه المناطق بالقوة، وسط دعم روسي يحاول إلزام أردوغان بتنفيذ تعهداته لجهة سحب الإرهاب من إدلب. والحرب هنا مفتوحة.
العراق أيضاً ميدان للعدوانية الأردوغانية التي يحتل الجيش التركي فيها أراضي واسعة بزعم مكافحة الأكراد ويقصفها بالطائرات الحربية في كل وقت وله فيها تنظيمات إخوانية تعمل على إثارة «الفرقة» المذهبية والطائفية بين مكونات العراق.
لجهة ليبيا فلم يخفِ أردوغان إرسال جيش تركي علني مدعوم بطائرات حربية لدعم حليفه الإخواني السراج المرتكز على الإخوان في مواجهة اللواء حفتر المسنود من السعودية والإمارات ومصر، والحرب مفتوحة. كما يدعم في تونس حزب النهضة لاسترجاع «سلطته» المفقودة.
وهناك من يشير إلى أدوار إخوانية في التفجيرات الإرهابية الأخيرة في تونس وبلدان أخرى.
ماذا عن قبرص؟ يحتل الجيش التركي القسم الإسلامي من الجزيرة بزعم حمايتها من التوسعية اليونانية منذ 1973 متحكماً بسياساتها وثرواتها من الغاز معلناً رفضه أي تقاسم مصري قبرصي لمدياتهما في مياه البحر المتوسط قرب آبار الغاز المفترضة، وذلك في محاولة لسيطرة بلاده عليها.
إلا أن الاشتباك السياسي التركي الأكثر محورية فيذهب باتجاه مصر التي أصابت طموحات أردوغان بالصميم. وكان الإخوان المسلمون المصريون وصلوا إلى السلطة في مصر بنجاح أحد قياداتهم محمد مرسي في انتخاباتها الرئاسية.
لكن الشعب المصري اجتاح الشوارع رافضاً هذا الخيار المدعوم من تركيا فاستغل الأميركيون الغضب الشعبي محرّكين رجلهم عبد الفتاح السيسي في انقلاب عسكري اعتقل مرسي الذي توفي بعلل مرضية كان مصاباً بها ولم يكن يتلقى العناية الصحية اللازمة، معيداً الإخوان المسلمين إلى «الجحور» او السجن، متسبباً بأزمة سياسية متصاعدة ومفتوحة بين مصر وتركيا تتمظهر في الصراع السياسي والخلافات على آبار الغاز في المتوسط.
هناك أدوار تخريبية إضافية للأتراك في اليمن التي يدعمون فيها حزب الإصلاح بالسلاح والتمويل وتبين لهم مؤخراً أن الإخوان المسلمين اليمنيين التحقوا بالسعودية وأيدوها فتراجعت علاقات الترك بهم نسبياً.
لجهة الأكراد فإن تركيا تناصبهم العداء السياسي والعسكري في مناطقهم في تركيا وسورية والعراق وإيران معاقلهم التاريخية، بما أدى الى تحويل ميادين الصراع في الشمال والشرق السوريين الى ساحات حرب بين الطرفين يستفيد منها الأميركيون والإسرائيليون لتعزيز نفوذهم.
وبما أن عقيدة الإخوان لا تؤمن بالتوارث العائلي للحكم، فهناك حرب تستعر يومياً بين تركيا وكل من السعودية والإمارات لا سيما أن السياسة التركية تعمل بجهد لتحسين مواقعها الإسلامية والعربية على حساب الدور السعودي. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الصراع بين سياستي البلدين إلى حدود تمويل الجهات المتقاتلة. فالسعودية تمول الأكراد وبعض الإرهاب غير التركي في سورية والعراق، فيما يحتلّ الأتراك أراضي سورية وعراقية بشكل مباشر داعمين كل تنظيمات الإخوان المسلمين وجهات من القاعدة.
هناك أيضاً احتراب تركي سعودي في السودان والجزائر وبعض أنحاء أفريقيا.
إن هذه التدخلية التركية لم تفضِ إلى أي نجاح يذكر، حتى أنها أرهقت الاقتصاد التركي وأسست عداءات لتركيا في مجمل العالم العربي والدول الإسلامية، وباستثناء بعض أوكار «الإخوان».
يمكن الجزم بأن البلدان المجاورة لتركيا معادية لها بشكل كامل في سورية والعراق وإيران وأرمينيا واليونان وقبرص وجامدة مع بلغاريا واحترابية مع مصر والسعودية والإمارات، فهل انتهى عصر أردوغان؟
إنه في الطور الأخير من سلطنته الافتراضية التي بناها على أوهام ويشهد حالياً تبخّرها بعزيمة الجيش العربي السوري وحلفائه والضغط الروسي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/07/02