في معنى الإرهاب
الفضل شلق
ما الفرق بين الإرهاب والجريمة؟ لا شيء، سوى أن الإرهاب جريمة لا تخضع للمحاكمة. يتم تحديد الجريمة سياسياً ويتم تنفيذ العقوبة في الموقع من دون محاكمة. وإذا كانت هناك تهمة، ومحاكمة قضائية على أساسها، فإن الأمر يطول؛ إذ تؤدي المحاكمة في غالب الأحيان إلى إدانة المتهِم والمتهَم سوية. لذلك تلجأ السلطات إلى تنفيذ الحكم في الموقع من دون محاكمة. يكفي أن يكون المرء إرهابياً، أو يتهم بذلك، حتى يكون قتله أو سجنه مبرراً لدى من بيده الأمر. تستسهل السلطات استخدام تهمة الإرهاب ضد أعدائها، ذلك يعطيها الحق مباشرة بتطبيق الحكم الذي تراه مناسباً. لا يكون الحكم قضائياً بل سياسياً.
يقول فقهاء القانون إنه ليس هناك تعريف للإرهاب متفق عليه دولياً. مع ذلك تُشن حروب ضد الإرهاب. تتشكل أحلاف دولية من أجل ذلك. تُستهدف بلدات ومناطق وتدمَّر ويهجَّر سكانها بحجة اجتثاث الإرهاب. هناك سجن كبير في غوانتانامو للإرهابيين من دون محاكمة منذ 15 عاماً. في كل البلدان سجناء بتهمة الإرهاب من دون محاكمة. إذا كان التعذيب محرماً في البلدان المتقدمة، فإن الإرهابيين يصدَّرون إلى بلدانهم، إذا كانت عالمثالثية، من أجل انتزاع «الاعترافات» منهم بشتى وسائل التعذيب. التعذيب في بلادنا العربية هو امتداد للقهر والقسر والقمع؛ هو امتداد للاستبداد، بل هو جزء أصيل منه.
يصعب القضاء على الاستبداد إلا بالاحتجاج عليه. يبدأ الاحتجاج سلمياً. يتحول إلى أعمال مسلحة. تزوِّد سلطات الاستبداد المحتجين بالأسلحة لتحوِّل التظاهر السلمي إلى حرب ضد السلطة، بل إلى حرب أهلية. منابع كل الأسلحة الحديثة هي البلدان المصنعة، أي المتقدمة. تهمة الإرهاب تستفيد منها كل الأنظمة، الاستبدادية منها والديموقراطية.
ترفع الدول الديموقراطية راية الحرية وتبيع الأسلحة لدول الاستبداد. تعرف الديموقراطيات أن الأسلحة سوف تتسرب، عن قصد أو غير قصد، إلى المحتجين، لكنها تستمر في بيع الأسلحة لدول الاستبداد، وأحياناً تسرّبها مباشرة للمحتجين.
ما زال الإرهاب عمل الدولة ضد مواطنيها. التهمة تستخدمها الآن جامعة الدول العربية للتأثير في قرارات الدول التي لا تتناسب معها. عندما أسّست الجامعة العربية كان ذلك للحوار، للسياسة وليس لممارسة السلطة. هناك تناقض بين الممارسة والأهداف التأسيسية.
صارت تهمة الإرهاب أمراً مؤثراً في العلاقات الدولية السياسية والمالية. يعرف الجميع أن في وزارة المالية الأميركية دائرة مهمتها تقييم كل التحويلات وأصحابها على أساس تهمة الإرهاب. ويعرف الجميع أن التحويلات تتم عبر المصارف، وأن هذه تهتم للأوامر الأميركية أكثر مما تهتم لمصالح جزئية أو لهذا المودع أو ذاك. كل من يُتهم بالإرهاب يوضع خارج شبكة التحويلات والإيداعات التي تمر عبر نيويورك حكماً. يبدو أن جامعتنا للدول العربية تحاول تقليد ما تفعله الدول الكبرى.
يوم كانت العروبة مرجعية الجميع، كانت السياسة أساس التعامل بين الدول العربية. نتذكر أيام عبد الناصر، ومن حقنا التذكر. لكن واجبنا في آن معاً أن نتذكر أن القوى التقدمية العربية والقوى الرجعية كانت تخضع لاعتبار واحد يعلو فوق كل الاعتبارات الأخرى. كان ذلك يضطرهم إلى اللقاء بعد التحارب، وكان ذلك يضطرهم إلى التفاهم بعد التخوين. كان التخوين سياسياً وصار الآن دينياً ومذهبياً. صار التفاهم مستحيلاً لأن كل طرف صار يعتبر امتلاكه للحقيقة أمراً مطلقاً. ما كنا نسمع شيئاً عن الوهابية وعن التشيّع. مع صيرورة الاختلافات على أسس دينية ومذهبية تصبح الأمة مستباحة. قلة الأدب واحدة من أشكال الاستباحة. القتل والترويع شكل آخر للاستباحة. التبجّح بالقوة شكل آخر. لكننا كلنا ضعفاء. ضعفنا هو في التخلي عن مرجعية العروبة والانتقال إلى مرجعية الإرهاب؛ عفواً، التهمة بالإرهاب.
إدخال المذاهب في الصراعات، وفي توجيه اتهامات الإرهاب، تجعل الحلول صعبة؛ يلغي السياسة التي كانت ممكنة ولو بين الدول. ينقطع الحوار مع تهمة الإرهاب؛ يصير الاجتثاث مهمة أولى لكل طرف؛ تصير الحرب الأهلية أبدية.
لا يمكن غض النظر عن إحراج لبنان واللبنانيين. الذين صنفوا الآن إرهابيين، صنفوا قبل ذلك مقاومين. التصنيف الإرهابي يمنع خط الرجعة، ومن يمنع ذلك على نفسه يخسر وتنحسر اختياراته. ليس أمراً عقلانياً أن تدعي بعض الدول العربية، مهما بلغت هيمنتها، أن قدراتها تتجاوز قدرات الدول الكبرى التي لم تستطع منع الإرهاب على أرضها، ناهيك عن بقية مناطق العالم. محاربة الإرهاب، إذا كانت جدية، تستدعي حلولاً سياسية. وأول مقتضيات السياسة التخلي عن تهم الإرهاب.
جريدة السفير اللبنانية
أضيف بتاريخ :2016/03/18