إدلب على طريق التحرر.. ونهاية مناورات أردوغان
حسن حردان
كما كلّ المناطق السورية التي تحرّرت من قوى الإرهاب التكفيري بكلّ أنواعها بعد أن نضجت الظروف المواتية لتحريرها الواحدة تلو الأخرى.. ها هي محافظة إدلب تسير على ذات المسار لتحريرها من الجماعات الإرهابية التي تكدّست فيها وبات القضاء على هذه الجماعات عبر القوة العسكرية مسألة لا مناص منها، خصوصاً أنه تمّ إعطاء كلّ الفرص للجانب التركي لتحقيق هذا الهدف سلماً لكن الجانب التركي لم يصدق كعادته وحاول المناورة والمماطلة والاستفادة من الوقت اعتقاداً منه أنّ ذلك سوف يحول دون قيام الجيش السوري وحلفائه بعملية عسكرية واسعة لتطهير إدلب من الإرهاب.. لا سيما أنّ الرئيس التركي رجب أردوغان كان ولا يزال يراهن على إبقاء الارهابيين لاستخدامهم ورقة لابتزاز الدولة الوطنية ومحاولة دفعها إلى القبول ببعض شروطه للحلّ السياسي للأزمة مقابل المساعدة على إنهاء احتلال المنظمات الإرهابية في إدلب وسحب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية..
غير أنّ أردوغان لم يدرك أنّ القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، التي لم ترضخ للشروط الأميركية ورفضت تقديم التنازلات عن سيادة واستقلال سورية في أصعب وأشدّ الأوقات.. كما رفضت عروض أردوغان ووزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو إشراك الإخوان المسلمين في السلطة مقابل المساعدة في إنهاء الحرب الإرهابية على سورية والتي كانت في بداياتها.. انّ هذه القيادة الوطنية المقاومة لن تقبل مساومة أردوغان وقد باتت سورية اليوم أقوى وأقدر على استكمال تطهير ما تبقى من أرضها من دنس الإرهابيين أدوات الاستعمار الغربي الأطلسي والصهيونية والرجعية…
ويبدو من الواضح أنّ الجيش السوري وبدعم من حلفائه، والذي بدأ تدريجياً بتحرير واستعادة قرى الريف الشمالي لمحافظة حماة، قد سرّع من عملياته ونجح بتحرير عشرات البلدات والقرى في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وأهمّها بلدة الهبيط الاستراتيجية في إدلب، وبات على مشارف مدينة خان شيخون الهامة، وذلك اثر حدثين لافتين وفرا الظروف المواتية لبدء دخول العمليات العسكرية محافظة إدلب والعمل لتحريرها..
الحدث الأول: مسارعة قائد تنظيم جبهة النصرة الإرهابية أبو محمد الجولاني إلى رفض اتفاق استانة الأخير لإخلاء المنطقة المتفق عليها بأن تكون خالية من الإرهابيين وسلاحهم الثقيل والمتوسط، وإقدامه على قصف البلدات الآمنة في ريفي اللاذقية وحماة بما في ذلك قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية.. في ظلّ صمت الجانب التركي الذي تعهّد تنفيذ الاتفاق.. مما برهن مجدّداً أن لا إمكانية لا إلى تنفيذ الاتفاق او استعادة الدولة السورية سلطانها على محافظة إدلب من دون اللجوء إلى الحسم العسكري المقترن بإتاحة المجال أمام العناصر المسلحة غير الأجنبية للاستفادة من المصالحة والتسليم للجيش السوري.. على غرار ما حصل في العديد من المناطق عشية تحريرها..
الحدث الثاني: توصّل الجانبين التركي والأميركي إلى اتفاق على إقامة منطقة أمنية في داخل الأراضي السورية في الشمال.. الأمر الذي شكل انتهاكاً سافراً لسيادة واستقلال سورية وخرقاً تركياً لاتفاق أستانة الذي نص على احترام سيادة واستقلال سورية.. وأشر إلى أنّ أردوغان مُصرّ على مواصلة اللعب على الحبلين.. فهو من جهة يريد الاستفادة من علاقته مع روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية لدفع أميركا إلى القبول بطلباته.. ومن جهة ثانية يريد الحفاظ على علاقاته الإستراتيجية مع الولايات المتحدة لابتزاز روسيا، وهو ما عبّر عنه في المواقف الاستفزازية التي أطلقها أردوغان خلال لقائه نظيره الأوكراني من تركيا لا تعترف باستقلال جزيرة القرم وانضمامها إلى الاتحاد الروسي.. وكان من الطبيعي أن يؤدّي ذلك إلى انعكاسات مباشرة على التكتيك الروسي الذي قضى بمراعاة أردوغان طوال المرحلة السابقة وتأجيل العملية العسكرية في إدلب رهاناً على إبعاد أردوغان عن واشنطن وتنفيذ اتفاقات أستانة وسوتشي لحلّ الأزمة السورية وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية سلماً او بالقوة بالتعاون مع تركيا.. وتجلت هذه الانعكاسات بتسريع العمليات العسكرية للجيش السوري بدعم كبير من الطيران الحربي الروسي…
انطلاقاً من هذين الحدثين لم يعد هناك من مبرّر لإعطاء أردوغان المزيد من الفرص رهاناً على توسّع خلافه مع واشنطن، وفي المقابل فإنّ اتفاقه الجديد معها أثبت أنّ الولايات المتحدة لا تضحّي بعلاقتها الاستراتيجية مع الدولة التركية الإقليمية المهمّة في دورها وموقعها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط، لمصلحة الأحزاب الكردية التي دعمتها لتكون مرتكزاً تعتمد عليه في مواصلة تدخلها في شؤون سورية الداخلية، وها هي عندما جاء وقت الاختيار بين تركيا والأحزاب الكردية، فإنها فضلت تركيا، وبالتالي الاتفاق معها على حساب الأحزاب الكردية التي راهنت على الدعم الأميركي لها لتحقيق هدفها في إقامة حكم ذاتي كردي في شمال سورية ترفضه تركيا بشدة انطلاقاً من كونه يشكل خطراً على أمنها القومي ووحدة أراضيها.. وهو أحد الأسباب التي أدّت إلى الخلاف الأميركي التركي.. وهكذا فقد صدق السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد حين حذر الأكراد من الرهان على استمرار الدعم الأميركي لهم.. حيث قال: «إنّ الكرد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين.
وأضاف فورد، في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط»، الاثنين 19 حزيران 2017، أنّ «المسؤولين الأميركيين يستخدمون الكرد بطريقة تكتيكية ومؤقتة، ولن يستخدموا الجيش الأميركي للدفاع عن غرب كردستان كإقليم مستقل في مستقبل سورية».
من هنا فإنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في التكتيك السابق الذي اعتمد في العلاقة مع تركيا في مناطق خفض التصعيد وحقق هدفه في تفرّغ الجيش السوري وحلفائه لتركيز جهودهم لتحرير المناطق السورية الأخرى من التنظيمات الإرهابية وفي مقدّمها داعش والنصرة.. كما لم تعد هناك أولوية تتقدّم على أولوية تحرير محافظة إدلب لأجل التفرّغ بعد ذلك للمعركة النهائية المباشرة مع قوات الاحتلال التركية والأميركية لإجبارها على الرحيل عن الأرض السورية أو مواجهة مقاومة شعبية مسلحة مدعومة من الجيش السوري وحلفائه.. وهذا هو مغزى زيارة وزير الدفاع السوري إلى بلدة الهبيط في محافظة إدلب التي حرّرها الجيش السوري قبل أيام للقول إنّ عملية تحرير إدلب انطلاقاً من هذه البلدة الاستراتيجية..
هذه التطورات تضع الأحزاب الكردية أمام تحدي إدراك حقيقية المستعمر الأميركي وأنه يريدهم فقط أداة في خدمة مخططاته على حساب سيادة واستقلال سورية.. ولا يهمّه في النهاية أن يكون الأكراد ضحية رهانهم الخائب على أميركا التي ستتخلى عنهم.. كما فعلت في الماضي.. عندما تصبح أمام خيار مواجهة مقاومة شعبية سورية تستنزف قواتها المحتلة، وبالتالي تورّطها في حرب لا تريدها.. أو المسارعة إلى سحب ما تبقى لها من قوات في سورية وترك الأكراد يواجهون مصيرهم لوحدهم…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/08/15