الاستبداد الحكومي والاحتقان الشعبي والانفجار المقبل
علي آل غراش
من يتابع أوضاع العالم العربي من الخليج إلى المحيط، يجد أن حالة الغضب والغليان الشعبي في تصاعد خطير، وربما تؤدي لانفجار كبير في أي لحظة؛ نتيجة غياب العدالة الاجتماعية، وعدم القدرة على التعبير والنقد.. خوفا من السلطات الحاكمة المستبدة القمعية، المسؤولة عن تفاقم سوء الوضع والاحتقان إلى درجة الانفجار. وهذا يدل على عدم استفادة الأنظمة الحاكمة من التجارب السابقة، وعدم تفهم مطالب الشارع، الذي تظاهر تحت شعار «الشعب يريد تغيير النظام»، وقد تم استغلال هذا الغضب والحراك الشعبي، وغُيرت بوصلته من قبل جماعات وأنظمة ودول باسم «الربيع العربي» بما لا يخدم مصلحة الشعوب العربية ما أدى إلى كوارث.
حقوق الإنسان
معظم الشعوب العربية وفي معظم الدول تعاني من مشاكل وأزمات، وتتعرض لويلات من الاستبداد والفساد، والقمع والاعتقال التعسفي، والتعذيب في سجون الأنظمة الحاكمة، أو التهجير وسحب الجنسية، أو الإعدام الذي هو مصير كل من يطالب بالإصلاح والتغيير، أو يعارض سياسة السلطات الحاكمة المستبدة والفاسدة.
المعاناة والظلم والقهر، عوامل مشتركة بين أفراد الشعوب العربية في كافة الدول، ومنها الدول الغنية، مثل دول الخليج، نتيجة سياسة الحكومات، ما أدى إلى هجرة الملايين أوطانهم وتعريض حياتهم للخطر؛ لعدم شعورهم بالأمان والكرامة واحترام حقوق الإنسان واحترام إرادتهم، في ظل سيطرة الأنظمة التي لا تترك الشعوب في حالها، إذ تعتقل وتعذب وتغيب من ينتقد سياستها وليس فقط من يعارضها، وإعدام من يرفع سقف التعبير عن الرأي ويصرح مباشرة بانتقاد كبار المسؤولين وأفراد العائلة الحاكمة، كما حصل بإعدام الشهيد الشيخ نمر النمر.
ومن يتمكن من الهرب من وطنه، بعيدا عن الدول العميلة التي تقبض عليه وتسلمه لسلطات بلاده القمعية، يواجه الأنظمة المستبدة الدموية، التي تلاحقه وترسل فرقا أمنية متخصصة في الاغتيالات والتقطيع لجلبه وجلب كل من يعارضها في الخارج حيا ذليلا أو ميتا، أو مجرد قطع من جثته كما حدث مع الإعلامي جمال خاشقجي، الذي تم قتله داخل القنصلية السعودية في تركيا على أيدي فرقة أمنية استخباراتية سعودية متخصصة، تعمل مباشرة بتوجيه من مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كما أكدت ذلك الأدلة وأجهزة الاستخبارات ومنها الأمريكية.
الحكام العرب الضعفاء – تجاه أعداء الأمة- وعبر القمم العربية دائما يقفون ضد المصالح العربية، خاصة مصالح الشعوب المسحوقة والمهمشة والمغيبة عن المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات، وكلما حاولت هذه الشعوب تغيير الحال السيئ إلى حال أفضل، عبر القيام بالمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والوحدة العربية، من خلال الحراك السلمي أو ثورة شعبية، وقدمت التضحيات الجسيمة دماء وشهداء، يتم إجهاض الحراك والثورة من قبل أعداء الأمة بالخصوص الأنظمة الحاكمة المستبدة والمفسدة والوحشية. والأسوأ من ذلك قيام دول تسيطر على الجامعة العربية بإصدار قرارات باسم القمة العربية، لدعم العنف والتسلح في دول عربية، لمجرد أنها تختلف مع النظام والسلطة الحاكمة لتغرق شعوب تلك الدول في الفوضى وبرك الدماء، لا لأجل مساعدة الشعوب للحصول على حقوقها وتشييد بلد ديمقراطي يمثل إرادة الشعب، حيث إن هذه الدول التي تشجع العنف والفوضى باسم مساعدة شعب لأن نظامه مستبد، فهي تمارس أبشع أصناف الاستبداد والقمع والفساد ضد شعوبها، وتستغل الدين لمصالحها والقضاء على أي حراك شعبي.
القمم العربية كان مصيرها الفشل الذريع نتيجة إصرار الحكومات المستبدة على ممارسة سياسات لا تخدم مصالح الأمة وشعوبها، وعدم وجود أي إتفاق على سياسة واحدة بين الأنظمة حول مشاريع استراتيجية ناجحة، بل على العكس هي تتفق في ما بينها على قمع الشعوب وتغييبهم عن المشاركة في اتخاذ القرارات، وعدم حصولهم على حقوقهم في أوطانهم أولا.
ما يحدث في أغلب الدول العربية من مشاكل وأزمات هو بسبب غياب العدالة والحرية واحترام التعددية والتنوع، والإصرار على تبني فكر أحادي وسياسة ضيقة حسب مزاج الحاكم، والإساءة والتجييش ضد المكونات والتيارات الأخرى، ودعم ونشر كل ما يؤدي لقتل التعايش السلمي وما يساهم في التأجيج الطائفي البغيض والعنف والقتل. فتلك الأعمال الإجرامية الرسمية ستزيد من الاحتقان الشعبي العربي الذي سينفجر بالثورات ضد الحكومات الاستبدادية المتوحشة، التي تلعب بالنار التي ستحرق الجميع، خاصة من يشعلها.
إرادة الشعب
العالم يتغير وأصبح كالقرية الصغيرة، وأكثر شفافية وأكثر سهولة للتعبير عن الرأي بفضل التقنيات الحديثة، ولكن الدول العربية تشهد المزيد من الفساد والاستبداد والقمع والتعذيب وقتل المواطنين، لاسيما الناشطين والحقوقيين والصحافيين ومنهم النساء، بسبب تغريدة فقط تفضح او تنتقد سياسة الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية.
بينما الشعوب العربية المحرومة من حقوقها تزداد قهرا وغضبا واحتقانا كقنبلة قد تنفجر في أي لحظة. الأوضاع في الدول العربية خطيرة، ولا تتناسب مع الدولة الحديثة كدولة قانون ومؤسسات حسب دستور يمثل رأي الشعب، ودول تمثل جميع المواطنين. لهذا لابد من المبادرة بالإصلاح والتغيير الشامل بما يريده الشعب: العدالة والحرية والتعددية والمشاركة المباشرة في إدارة الوطن، وانتقال السلطة بشكل سلمي حسب دستور يمثل إرادة الشعب، فهل ستبادر الحكومات بالتغيير واحترام إرادة الشعوب قبل الانفجار الشعبي العارم المقبل؟
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/08/15