تصاعد الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن.. انقلاب المحاور
الدكتور حسن مرهج
التجاذبات الحاصلة في الساحة اليمنية لم تكن محض صدفة، ولعل المتابع للشأن اليمني يُدرك بأن ما حققه الجيش اليمني واللجان الشعبية، أصبح بوابة لتغيير التحالفات، فضلا عن البحث للخروج من مستقنع اليمن، فالإنجازات التي تحققت على أيدي المقاومين اليمنيين كفيلة بفرض المعادلات الإقليمية الجديدة، وأكثر من ذلك، فهي قادرة على ضعضعة التحالف السعودي، ودق اسفين الخلاف بين أركانه، فالحسابات التي دُرست قبيل العدوان على ليمن، اصطدمت بالكثير من المعطيات السياسية والعسكرية، فالتحالف السعودية ورغم الترسانة العسكرية التي استخدمت في حرب ليمن، إلا نها لم تكن قدرة على قلب مجريات الأمور لصالح حلفاء السعودية، كما أن التغطية السياسية التي فرضتها واشنطن، لم تُحقق أي مكسب يتم فرضه على القوات اليمينة، وبين هذا وذاك، بات واضحاً أن تصاعد التوترات بين السعودية وحلفاؤها في العدوان على اليمن، سيكون مشهد التطورات القادمة، خاصة أن الأهداف الحقيقة لهذه الحرب لعبثية، باتت واضحة للجميع لجهة رسم مسارات الشرق الأوسط، والتي اثبتت التجارب السابقة في العراق وسوريا، أنها غير قادرة على فرض أي مسار، وبات الأمر الوحيد الذي بموجبه سيكون درءاً لأي تداعيات، هو الخروج المُشرف من التحالفات التي تُنظمها واشنطن هنا أو هناك.
الواقع يؤكد أن التحول الإماراتي في التوجهات حيال اليمن، انطلق من قدرة القوات اليمنية على استهداف العمق الإماراتي، كما أن الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها القوات الإماراتية المُشاركة في التحالف السعودي، كانت سبباً هاماً في التأسيس لنقلة الإمارات نحو الابتعاد عن هذا التحالف، كما أن التحولات الشرق أوسطية على الصعيد العسكري التي فرضتها إيران وتحديداً في المضائق البحرية، أدت إلى تغييرات جوهرية في نظرة الإمارات الاستراتيجية نحو الحرب على اليمن، والتحالفات الامريكية المزعومة تُجاه إيران، من هنا انتقلت هواجس الإمارات إلى ما يُسمى الحزام الأمني في عدن والمدعوم إماراتياً، والتي أدت إلى اشتباكات مع المجلس الانتقالي في الجنوب مع قوات منصور هادي المدعومة من السعودية، على ثر ذلك، دخلت مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية هذه في أجواء من الاضطرابات الدامية والانفلات الأمني، والمؤدي حُكماً إلى تغييرات دراماتيكية في بنية التحالف السعودي.
في عمق الخلافات السعودية الإماراتية في اليمن، لم تكن الأحداث الأخيرة في عدن هي الأولى بين القوات المدعومة من قبل الحليفين، فقد حصلت الصراعات مراراً وتكراراً على مرّ السنين التي أصبحت فيها المدينة المركز الرئيس للحكومة اليمنية المستقيلة وكذلك القاعدة الرئيسة للانفصاليين في الجنوب، وفي جانب أخر، الواضح أن صراع النفوذ هو المشهد الحقيقي بين السعودية والإمارات، فالفجوة بين الرياض وأبو ظبي حول مستقبل هذا التحالف ومصالحه باتت واضحة للجميع، خاصة أن الدعم السعودي للتيار الإخواني في اليمن يُثير الكثير من الربة والشكوك لدى الإماراتيين، وعند الحديث عن هذا التفصيل، نكون قد دخلنا إلى صلب الخلاف بين الحليفين، فمن جهة تقوم السعودية بدعم حزب الإصلاح الإخواني، ومن جهة أخرى تسعى الإمارات إلى تقويض قوة حزب الإصلاح ومنصور هادي من خلال استغلال ميليشياتها، بما فيها بعض الجماعات ذات النزعات السلفية.
ضمن ذلك، فقد أعلنت الإمارات قبل أسابيع قليلة، نيتها الانسحاب التدريجي من اليمن، حيث تحاول أبو ظبي الخروج من حرب اليمن الاستنزافية بطريقة مشرفة وبأقل قدر من الأضرار، وتقليل التوترات بينها وبين إيران، وفي مثل هذه الظروف، فإن امتلاك اليد العليا في معادلات اليمن والمحادثات المستقبلية يتطلب الحفاظ على ورقة لعب قيمة، وليس هناك ورقة أفضل من السيطرة على واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية في اليمن، أي مدينة عدن، وبالتالي فإن أبو ظبي تسعى للتقارب مع ايران عبر فرض معادلة جديدة في اليمن، والاستحواذ على ورقة رابحة ثقيلة سياسياً و عسكرياً كـ عدن، وبالسيطرة على عدن ستُصبح يد الإمارات هي المسيطرة في أجزاء كثيرة على القرار اليمني لجهة المجلس الانتقالي، الامر الذي من شأنه فتح ابواب سياسية جديدة في اليمن، قد تُفضي إلى حلول جذرية وانهاء الحرب في اليمن، وتجنيب اليمن واليمنيين المزيد من الكوارث الانسانية.
في النتيجة، هي جملة من الاختلافات والخلافات بين السعودية والإمارات، والساحة اليمنية هي إحدى الخلافات القديمة الجديدة بين الحليفين، إضافة إلى التوجهات الإماراتية الجديدة تجاه إيران، والرغبة الإماراتية بتهدئة أجواء الخليج، بخلاف التوجهات السعودية الرمية إلى تأجيج الصراع مع ايران، وبالتالي لا يمكن تجاهل التأثيرات لهذه الخلافات والتي ستؤدي حُكماً إلى تغييرات جوهرية في مسار لأحداث من اليمن إلى الخليج و مضائقه.
كاتب فلسطيني
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/08/15