إدلب وما بعدها... مسارات التسوية السياسية
د. حسن مرهج
كقاعدة عامة بُني عليها أساس الحلّ السياسي في سورية، كان مسار أستانا، حيث أُنشئ بُغية إيجاد صيغ تُمثل منطلقاً لإيقاف إطلاق النار في مناطق التوتر، إضافة إلى إيجاد حلّ سياسي للحرب على سورية، لكن جراء تعقيدات الحلّ لجهة الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، تحوّلت منصة أستانا من بوابة للحلّ السياسي، إلى تعقيدات تصبّ مباشرة في الابتعاد عن جوهر أستانا، بل أكثر من ذلك، حيث أصبح مسار أستانا معادلة سياسية تُستثمر من قبل أعداء سورية، بغية الحصول على مكاسب عجزوا عن الحصول عليها عسكرياً، أمام هذا الواقع كان لا بدّ للدولة السورية وحلفائها، قطع الطريق على كافة المخططات التي دأبت واشنطن وأنقرة على بلورتها عبر منصات سياسية، من أستانا إلى سوتشي ونسخهم المتعددة، وبالتالي أصبح من فرضيات الأمر الواقع، أن تقوم الدولة السورية بالاضطلاع بمهامها لوطنية، وتفعيل الخيارات العسكرية التي تأتي بالتوازي مع الجهود السياسية الرامية لضمان خروج آمن من الحرب، هذا الخروج الآمن لا يأتي من باب ضعف أو قصور سياسي أو عسكري، وإنما درءاً لمخاطر محلية وإقليمية ودولية، خاصة تشعّبات الصراع في سورية وعليها، يفتح الباب واسعاً أمام العديد من السيناريوات، والتي تنطلق بمُجملها من الجغرافية السورية، لذلك لا بدّ من خروج آمن من عنق الزجاجة التي خططت لها واشنطن وأنقرة لخنق المنجزات السورية، وتفريغها من محتواها الاستراتيجي.
قاعدة أخرى تؤكد أنّ الضغط العسكري والمُرافق لإنجازات استراتيجية، سيُفضي بلا شك إلى تفعيل الخيارات السياسية، هذا المشهد المتناغم سياسياً وعسكرياً، قد صبغ الشمال السوري بمشهده الخاص، حيث أنّ العمليات العسكرية السورية لا تزال بين كرّ وفرّ، وذلك ضمن استراتيجية استنزاف الفصائل الإرهابية والعمل على ضعضعة صفوفها، إضافة إلى استراتيجية القضم التدريجي للمناطق المسيطر عليها من قبل الفصائل الإرهابية، والعمل من جانب آخر على تطويقها وعزلها ضمن بؤر مقطوعة الإمداد، إضافة إلى عمليات الرصد الجوي لكافة التحركات، هذه الاستراتيجية أثمرت تساقط أهمّ معاقل الإرهابيين، وأوصلت القوات السورية إلى خان شيخون، حتى باتت هذه المدينة ساقطة عسكرياً، ما يؤسّس لمشهد سياسي قد يُجبر تركيا على الرضوخ والانصياع بالحديد والنار لمقررات استانا وسوتشي.
خان شيخون تحمل العديد من نقاط الأهمية لجهة الإشراف على الطرق الدولية دمشق حلب حماة اللاذقية، وتأمين عمق استراتيجي عسكري حين الانطلاق في ايّ عملية عسكرية قادمة، ما يعني عسكرياً سقوط كامل المنطقة نارياً بيد الجيش السوري، وهذا ما يفسّر التحركات التركية الأخيرة بإرسال تعزيزات إلى الإرهابيين في خان شيخون، لأنّ سقوطها يعني سقوط كامل ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وصولاً إلى إدلب، وفي وقت سابق لاحظنا صمت تركي او عجزها عن الإتيان بأيّ حركة سياسية او عسكرية، وهذا تفسيره أنّ قدرة الجيش السوري النارية وردّه المباشر على ايّ حماقة تركية كالتي حدثت من خلال الأرتال العسكرية التركية، وتم الاستهداف بشكل مباشر، وهذا يؤكد بأنّ الهدف أبعد من خان شيخون أو محاصرة الفصائل الإرهابية في ريف حماة الشمالي، فالمتابع بات يُدرك بأنّ خطوط النار التي يرسمها الجيش السوري، قد يصعب تجاوزها تركياً او حتى أميركياً.
الموقف الروسي واضح لجهة تطبيق اتفاق سوتشي بالنار بعد المناورات التركية الفاشلة، والروس يضغطون أيضاً لجهة تحرير كامل المنطقة من الإرهابيين، وهذا الموقف متناغم كلياً مع دمشق التي اتخذت القرار بالقضاء على الإرهابيين في هذه المنطقة، بينما تركيا في موقف متخبّط وضائع، وتحاول العبث بخارطة السيطرة العسكرية التي فرضها الجيش السوري، في المقابل العمليات العسكرية السورية لن تتوقف حتى ما بعد خان شيخون، حينها ستهدأ وتيرة المعارك ومن ثم التفاوض السياسي وفق أستانا، وإما الخطط العسكرية الجاهزة لتحرير ادلب والوثب باتجاه شرق الفرات.
في المحصلة، ما شاهدناه خلال الفترة الماضية لجهة العمليات العسكرية السورية، والغطاء الجوي الروسي، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الهدف الاستراتيجي البعيد هو إدلب، بينما الهدف القريب فرض خطوط سياسية، وضمن الهدفين الواضح أنّ مسار التطورات يؤكد بأنّ الجيش السوري وحلفاءه سيكونون عرابي الحلول، سواء العسكرية أم السياسية، وهذا أيضاً يحمل العديد من الرسائل لتركيا وأدواتها الإرهابية من جهة، كما واشنطن وأداتهم الكردية من جهة أخرى.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/08/23