التحالف السعودي والدعم الأميركي... أيقونة الانتصار اليمني
د. حسن مرهج
لعلّ التطورات المتسارعة في اليمن، والتي تأتي في سياق فرض الوقائع التي تؤسّس لقوة ردع يمينة، لا يمكن فصلها عن المستجدات لجهة انسحاب الإمارات من التحالف، واستهداف العمق السعودي والمراكز الحيوية، كلّ هذا وبعد مضيّ سنوات على التحالف الوهمي التي أنشأته السعودية ضدّ اليمن، لم تستطع الرياض أن تُحقق نتائج ملموسة، وكلّ ما حققته الرياض عمليات انتقام من المدنيين اليمنيين وذلك بتوثيق من الأمم المتحدة، فمنذ اليوم الأول للعدوان على اليمن، كان هناك ضوء أخضر أميركي، جاء ذلك وفق خطة أميركية تعتمد على الرغبة بتغيير بنية الشرق الأوسط أولاً، وثانياً لتفعيل خطة تستهدف حلفاء إيران، والأهمّ في الخطة الأميركية، تعفيل المنظومات الإرهابية كـ القاعدة وغيرها من المنظمات الجهادية، لكن وبعد كلّ هذه السنوات من العدوان، دون تحقيق نتائج واقعية، بدأنا نسمع تصريحات أميركية تتمحور حول ضرورة إنهاء هذه الحرب، وجلوس كافة الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات، من هنا بات واضحاً أنّ التوجهات الإماراتية الجديدة لجهة الانسحاب من التحالف، وإعادة التموضع ضمن نظريات النفوذ في اليمن، بُغية تحقيق غايات سياسية، أو لنَقل أنّ هناك رغبة إماراتية بفرض خارطة طريق عبر ميليشياتها، فالتطورات اليمنية تتجاوز مسألة عدن وأحداثها الأخيرة، وهذا ما تؤكده الكثير من الوقائع المُعلقة بالشأن اليمني، وانعكاساته الإقليمية والدولية، فالتحالف السعودي لم يُحقق المطلوب أميركياً، حتى أنّ الحرب على اليمن باتت عبئاً على واشنطن، وهناك ضرورات استراتيجية مستجدّة تقتضي إنهاء العدوان.
مع التطورات التي فرضتها القوة اليمنية، بات هدف التحالف السعودي يندرج ضمن ثلاث زوايا:
الأولى لم يعد هدف التحالف تحقيق الانتصارات في اليمن، بل على العكس، فقد بات جوهر هذا التحالف هو حماية العمق السعودي ومنشآته، إضافة إلى حماية المرافق الحيوية في الإمارات، خاصة بعد فشل منظومات الصواريخ الأميركية باعتراض الصواريخ اليمنية والطائرات المُسيّرة.
الثانية القضية الرئيسية التي تسعى السعودية لتطبيقها تتمحور حول تسمية الحكومة الشرعية في اليمن، حتى هذا الحلم بدأ بالانهيار عقب أحداث عدن، فالهدف السعودي اصطدم بالموقف الإماراتي، إضافة إلى صمود الحوثيين الذين فرضوا مساراً واحداً لهذا التحالف، ولم تعد السعودية قادرة على تجاوزه.
الثالثة تقسيم اليمن، هذا الأمر يبدو أنه بعيد ضمن المنطق السياسي والعسكري، لكن هناك شيئاً وراء الكواليس يتمّ التحضير له، كتعويض عن الخسارة العسكرية السعودية، هذه المُعطيات تأتي ضمن أدلة واقعية، إلا أنّ ما تمّ تجاهله فيه هو المصالح الحتمية للسعودية في منع تشكيل حكومة شمالية مستقلة بقيادة أنصار الله من جهة، بالإضافة إلى خسارتها الكاملة للنفوذ والمكانة في الجنوب مع صعود نجم الانفصاليين المقرّبين من الإمارات.
ضمن هذه المُعطيات، وعطفاً على الرغبات الأميركية بإنهاء الحرب، يمكن أن نستخلص العديد من النقاط التي توصِلنا إلى حقيقة الرغبات الأميركية حول تصريحاتها بإغلاق ملف اليمن والحرب عليه:
أولاً – من دون أدنى شك يمكن القول بأنّ حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بهذه الطريقة المريعة، واعتراف السعودية بهذا الأمر، جعل واشنطن مُجبرة أمام الرأي العام العالمي الذي ضغط بشكل كبير لمعاقبة المسؤولين عن هذه الحادثة، وجعلها تُضطر مكرهة لرفع يدها قليلاً عن السعودية، وإظهار شيء من ممارساتها في اليمن، ومطالبتها بوقف أعمال القتال هناك، كما أنّ ضغط الرأي العام العالمي أجبر أيضاً الغرب على خلاف ما تريد، وهو أن تطالب السعودية بوقف العنف هناك.
ثانياً – يجب أن نذكر أنه خلال الفترة المقبلة سيبدأ سباق الانتخابات الأميركية، ومع الضغوط العالمية لجهة ممارسات ترامب ودعمه السعودية، تبدو حظوظه بالوصول لفترة رئاسية ثانية ضعيفة جداً، لذلك استبق ترامب الحدث وبدأ بالبحث عن طريقة لإنهاء حرب اليمن قبل أن تبدأ المسألة.
ثالثاً – بما أنّ واشنطن لديها مصالح كثيرة في اليمن وبالتالي فإنّ استمرار الحرب هناك كان بضوء أخضر منها لا محالة، ومن الأشياء التي كانت تبحث عنها واشنطن في اليمن هو منع إيران والصين وروسيا من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لليمن لكونها تتمتع بموقع استراتيجي مع مضيق باب المندب باعتباره عنق الزجاجة لطاقة العالم، وهذا كان أحد المخاوف الأميركية، ولذلك فقد دعمت واشنطن التحالف السعودي الإماراتي، وخلال هذا الوقت، ارتكبت جرائم مختلفة بما في ذلك الاعتداء على مراسم الزفاف والحداد، وهجمات المستشفيات، والهجمات على حافلات الأطفال واللاجئين، دونما تحقيق أيّ من هذه الأهداف السابقة.
رابعاً – إنقاذ الرياض من مستنقع اليمن، من النقاط الأخرى التي تدفع واشنطن لإنهاء حرب اليمن هي أنّ التحالف السعودي وصل إلى طريق مسدود في هذه الحرب وتحوّلت اليمن بالنسبة له إلى مستنقع يغرق به يوماً بعد يوم دون أن يجد سبيلاً للخروج منه، لذلك فإنّ تصريحات المسؤولين الأميركيين بضرورة إنهاء الحرب هناك يمكن اعتبارها مساعدة جديدة للسعودية لإنقاذها من هذه الورطة والخروج ببعض ماء الوجه أمام المجتمع الدولي.
الواضح مما سبق، أنّ واشنطن وحلفاءها قد باتوا أمام سيناريوات مُعقدة في اليمن، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال، أن تتمكن واشنطن والسعودية وتحالفها، من إعادة خلط الأوراق في اليمن، أو فرض أهدافهم، فالقوات اليمنية قد غيّرت المُعطيات والوقائع على الأرض، وبات الجميع محكومون بالوقائع اليمنية التي فرضها أنصار الله، من هنا قد نشاهد توجهاً أميركياً لجهة تفعيل الإرهاب القاعدي في اليمن، كمحاولة أخيرة لتغيير المسار السياسي والعسكري الذي فرضه صمود الشعب اليمني.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/08/28