هل رد حزب الله جاء متناسبا مع العدوان الصهيوني؟
عبد الستار قاسم
سبق أن توقعت انتصار حزب الله عام 2006 وفي أول يوم للحرب، وسبق أن قلت إن حزب الله سيرد بعد اغتيال شهداء القنيطرة ومنهم الشهيد سمير القنطار، وهذه المرة أيضا وقبل أن تتناول كل وسائل الإعلام خطاب السيد حسن نصر الله نشرت مقالا بأن حزب الله سيرد، وفعلا رد. لكن من الملاحظ أنني أتعرض لبعض الشتائم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل موتورين لا يفكرون إلا بأحقادهم المذهبية الغبية، ودائما أعتبر هذه الشتائم جزءا من جهادي لإحقاق الحق. ولسوء حظ من لا يفكرون بعقولهم، أخرج في كل مرة صادقا، وتظهر صحة توقعاتي.
هذه المرة أقول إن حزب الله أثبت صدقية عالية كما هي عادته، والسيد حسن وعد وصدق، وحزب الله يقلب المعادلة التي سادت في الساحة العربية بصورة إجمالية والتي كان يعتدي وفقها الكيان الصهيوني ويؤجل العرب ردهم للمكتن والزمان المناسبين. اعتاد الكيان الصهيوني على الاطمئنان إلى نتائج عدوانه، وكان واثقا على الدوام أن أحدا لا يرد. ولهذا كان يعي الاحتلال أنه لا توجد للعرب قدرة أو شجاعة أو تصميم على الرد والدفاع عن الكرامة. ولهذا كنت دائما أقول إن الرد ولو بخسارة أقل تكلفة من عدم الرد. عدم الرد يشجع الصهاينة على الاستمرار بعدوانهم، ويسقط منا الشهداء وتلحق بنا الأحزان والأضرار والآلام ونحن نتلهى بالاستنكار والإدانة وابتلاع الهزيمة تلو الأخرى والوعيد الأجوف. وما كان يلطف تآكل المعنويات استعداد المقاومة الفلسطينية في غزة للرد أحيانا على الاعتداءات.
اعتاد حزب الله الرد على العدوان، وهو يشكل قوة ردع حمت لبنان من العديد من الاعتداءات القاتلة للنفوس، وهو دائما يقدم دروسا حربية تمنع الكيان الصهيوني من الغطرسة. وهو بذلك يرسخ قاعدة عسكرية عربية جديدة تقوم على إقناع العدو بضرورة ضبط حساباته لأن هناك من يمكن أن يكسر ظهره.
لكن رد حزب الله هذا الأخير الذي تم تنفيذه في 1/أيلول/2019 لم يكن متناسبا مع حجم الاعتداءين الصهيونيين على جنوب دمشق وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت. كنت أتوقع ردا بحجم العدوان، وبحجم الخسائر أو ما يقاربها، ولم أكن أتوقع أن أداة الرد ستكون صاروخ كورنيت
لم يكن صاروخ كورنيت أداة مناسبة للرد، ولم يكن الهدف مناسبا أيضا، ولا التكتيك العسكري، على الرغم من أن دخول جنود حزب الله فلسطين لتنفيذ العمل ومغادرتهم بسلام يشكل مصدر قلق كبير للعسكريين الصهاينة. كان المفروض أن يتم الرد بأداة عسكرية أكثر فاعلية، وأن يتم اختيار هدف بحجم الهدفين اللذين استهدفهما العدوانان الصهيونيان.
دخول جند الحزب فلسطين المحتلة من نقطة معينة يؤكد قدرة الحزب على اخترقا الحدود الافتراضية بين لبنان وفلسطين دون تمكن الصهاينة من تتبع ذلك. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير.
وربما كان المفروض أن تتريث القيادة العسكرية لحزب الله في الرد لكي يكون هناك مزيد من التفكير والأفكار في كيفية رد أكثر رقيا من الناحية التكتيكية العسكرية.
هل تعرض حزب الله لمقاربات سياسية وديبلوماسية جعلته يكتفي برد من هذا القبيل؟ ما الذي حصل خلف الكواليس؟ هل عمل الداخل اللبناني على إقناع حزب الله بتلطيف الرد حتى لا تتولد هناك ردود فعل تصعيدية لا يرغب أحد بها؟ الأسئلة كثيرة، والأمر متروك لحزب الله ليوضح الأمر إن رأى ذلك مناسبا.
أعلم أن الفرنسيين كثفوا اتصالاتهم مع أصدقائهم في لبنان في رجاء ليخفف حزب الله رده، وكذلك فعل الأمريكيون. وفي المقابل طلبوا من الصهاينة عدم الرد في حال هاجم حزب الله. كان هناك نشاط ديبلوماسي، وتقديري أنه أثمر.
رأيي هذا ليس لاستعمال أحد في مزاوداته على حزب الله. كما أن المبالغات فيما حصل لا ضرورة لها لأن تأثيرها لن يخدم المقاومة العربية الإسلامية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/09/03