الغربُ المسعور يطبّقُ وصية عبد العزيز!
د. وفيق إبراهيم
تتجاهل الدول الغربية أن العدوان السعودي الاماراتي المغطى اميركياً على اليمن، هو سبب القصف الذي تتعرّض له الاهداف العسكرية والاقتصادية في السعودية.
فترهنُ الاحداث المتتابعة في الخليج لمصلحة توجيه الاتهام وحصره بإيران لأنها دولة محورية تعادي النفوذ الاميركي والكيان الإسرائيلي ولها شبكة تحالفات في معظم دول المنطقة، لذلك يتغاضى الأميركيون عن اعلان دولة صنعاء مسؤوليتها عن قصف مصفاتي بقيق وخريص مركزين المسؤولية الحصرية لإيران، وهذه تتمة لمزاعم غربية وسعودية تعتبر منذ عقد تقريباً ان انصار الله اليمنيين والحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني هم ميليشيات إيرانية وسط تجاهل عالمي للحرب اليمنية حرصاً من الدول الكبرى على مصالحها مع السعودية اكبر مصدر نفطي في العالم.
هناك اذاً محاولات غربية أميركية لاستثمار قصف المصفاتين السعوديتين بخطة تقضي بحماية المراكز المحلية للنفوذ الغربي في منطقة الخليج وجوارها.
لكن المدهش أن الخطة الغربية تبدو وكأنها تطبيق لنصيحة عبد العزيز آل سعود لأولاده التي دعاهم فيها لإضعاف دائم لليمن والعراق.
هذا الغرب الاميركي الاوروبي المتجاهل مأساة اليمن يركز على ثلاث نقاط: تفتيت العراق الى دول مستقلة أو كانتونات، شرذمة اليمن الى دول او كانتونات متصارعة، اما النقطة الثالثة التي تبدأ بتطبيقها فتركز على منع أي تقارب سوري عراقي يؤدي الى فتح الحدود بينهما، وهذه من المحرمات الكبرى.
لكن تطبيق هذه الآليات يحتاج الى شعار كبير، هو الخطر الإيراني ومعادلة جامعة هي أمن الملاحة في الخليج والبحر الاحمر، فهذا كافٍ لتجميع المهتمين بثروات النفط والغاز على المستوى العالمي ومعهم انظمة دول النفط وبعض تحالفاتها العربية، لذلك سارعت كل من السعودية والإمارات الى اعلان انضمامها الى تحالف أمن الملاحة في الخليج في حركة تحشيد سياسية هدفها إضفاء شرعية خليجية على حلف غربي لا يزال يعمل لإعادة ترسيخ نتائج الحرب العالمية الثانية للاستحواذ الدائم على ما وفرت له من مغانم اقتصادية واستراتيجية.
ضمن هذه المعطيات تبدو الحرب السعودية على اليمن مرشحة للاستمرار بالوتيرة نفسها لأسباب تتعلق بتبرير العودة الغربية الى المنطقة، كما ان استعداء إيران على مستوى حوربة لا تؤدي الى حرب مطلوب ايضاً لاستمرار تمرير الذريعة الغربية التي تزعم انها تدافع عن المنطقة من هذا الخطر.
أين الخطر اذاً؟ فمنطقة الخليج مزروعة بالقواعد الاميركية وتخضع لسياسات البيت الابيض على نظام السمع والطاعة من دون أي تذمر؟ هذا الجديد يذهب نحو إيلاء العراق أهمية قصوى على اساس منعه من تعزيز وحدته الداخلية، ما يبقيه ضعيفاً واهناً تتحارب مناطقه الداخلية فتعطل حركته الخارجية، وهذه من نصائح المؤسس عبد العزيز.
العراق اذاً هو محور الحركة الغربية الحالية التي تنفذها أربع جهات: الاميركيون الذين يمتلكون عشر قواعد عسكرية فيه، وبعض القوى الداخلية المستفيدة من إضعاف العراق في كردستان والوسط وبعض المناطق الأخرى في الجنوب، و إسرائيل التي بدأت بتنظيم قصف متدرج بطائرات مسيرة على خط حدوده مع سورية.
لجهة الطرف الرابع فهو السعودية التي تعمل على تطوير تدخلها السياسي في العراق الى استهدافات نوعية عسكرية بتغطية أميركية إسرائيلية. وهذا مؤكد من خلال قصف جوي استهدف منذ يومين بعض انحاء محافظة الأنبار وتبين انه سعودي بذريعة استئصال ارهاب موجود في هذه النواحي، علماً ان العراق كان أعلن منذ يومين ايضاً عن فتح نقطة عبور مع السعودية عبر حدوده في الأنبار.
ان التبرير السعودي لهذا القصف غير منطقي. ويقول إن جهات إرهابية إيرانية تسللت الى الأنبار وقصفت المصفاتين السعوديتين من اراضيه.
هذه واحدة من الروايات السعودية الى جانب مزاعم ثانية تدّعي ان الرياض بصدد تحديد دقيق لمواقع القصف في الشمال، بما يشمل إيران ايضاً وربما الكويت.
العراق اذاً في جهاته الحدودية معرض لاستهدافات سعودية وإسرائيلية بأشكال مختلفة، لكن ردود فعله ممنوعة بسبب العرقلة الأميركية التي تسيطر على جزء من قواه الداخلية السياسية وتستعملها لمنع انتاج عراق قويّ، لذلك يعتبر الاميركيون ان منع التنسيق بين سورية والعراق مهمة استراتيجية يؤدي تحقيقها الى استمرار النفوذ الأميركي الكامل على المشرق العربي.
وهذا ما يفسّر القصف المجهول تارة والأميركي طوراً والاسرائيلي في معظم الاحيان والسعودي المستجد على مناطق الحدود السورية العراقية، فخطورة هذا التنسيق استراتيجية وليست سياسية آنية، لأن ولادة معادلة من البحر المتوسط حتى مياه الخليج تجاور تركيا وإيران والخليج لهي من الكبائر التي لا يتحمّلها الجيوبوليتيك الاميركي، هذا بالاضافة الى انها تشكل بديلاً للانهيار المصري وبوسعها إعادة انتاج نظام عربي وازن يعيد للمنطقة شيئاً كبيراً من توازنها المسحوق اميركياً واسرائيلياً، ألم يعلن الرئيس المصري السيسي في مؤتمر علني منذ اسبوع فقط، ان الشرق لا يساوي شيئاً من دون سورية متهماً جهات عربية ودولية بمحاولة تفجيرها.
إن هذه المعطيات تكشف أن الحروب على اليمن والعراق وسورية وتحريم التنسيق بينهما، هي الاهداف الاساسية للعودة الغربية الى منطقة الشرق الاوسط وبحارها، فتحقيق هذه الأهداف يكفي لتحديد نتائج الحرب العالمية الثانية التي أخضعت الشرق بكامله لهيمنة غربية سجنته في كهوف التخلف.
فهل هذا ممكن وقابل للتجدد؟
صمود سورية وإصرار العراق على الخروج من بقايا السجن الاميركي وإدراك صواريخ اليمن لعمق معادلة الغرب في السعودية وانتقال إيران الى مستوى دول القرار، هي عوامل تؤكد ان الحرب العالمية الثانية ولت الى غير رجعة، مقابل تشكل منطقة جديدة يعمل اهلها على تحريرها من بقايا المستعمرين ومعهم الكيان الاسرائيلي وحلفاؤهم من عرب الانحطاط.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/09/20