آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
كمال مجيد
عن الكاتب :
كاتب عراقي

امريكا تعمل على احتكار الحكم في العراق وتفجيره من الداخل

 

بروفيسور كمال مجيد


منذ الاحتلال في 2003 كتبت في اكثر من خمسين مقالة او مشاركة في جريدة القدس العربي وثم في رأي اليوم الغراء حول الفساد في العراق وضرورة تأسيس منظمة جماهيرية واعية لها قيادة حكيمة تعمل لطرد الاحتلال الامريكي واسقاط الحكومة المكونة من عملاء امريكا بقيادة اياد علاوي ومن تلاه. المعروف ايضا ً ان المحتل الامريكي عمل ويعمل على معارضة المعادين للاحتلال والمؤيدين للقطب الجديد المعادي للطغيان الامريكي والمكون من روسيا والصين وايران ودول البريكس .

 والمفروغ منه ان الفساد شمل كافة  المؤسسات الحكومية التي شكلها المحتل الامريكي واستغلتها الاحزاب الدينية كحزب الدعوة والمجلس الاعلى من جهة والشوفينية البارزانية، المسندة بقوة السلاح الامريكي، والمعادي للوحدة العراقية بحجة الدفاع عن الفدرالية التي مزقت بلدنا.
وبعد مرور 16 سنة على الاحتلال وانهيار مقومات الحياة  لقد ضاق ذرع الشعب المسكين. ولعدم وجود منظمة جماهيرية معادية للاحتلال وذاة قيادة واعية وحكيمة تستطيع اية جهة، بما في ذلك عملاء امريكا او السعودية او دول الخليج، الاستفادة من السخط الجماهيري وتحريك الناس في مظاهرات دموية ضد من يعادي الاحتلال وضد من يقف ضد القطب الامريكي الذي يستخدم اخطر الاسلحة لفرض جبروته على العالم.

المثبوت ايضا ً ان الظلم الامريكي لم يقتصر على العرااق وحده بل تعداه لتحطيم فلسطين وسوريا وليبيا واليمن والصومال والسودان وايران بل اوسع من كل هذا ضد فنزويلا والبرازيل والصين وحتى القيام بانقلاب في تركيا العضوة في الحلف الاطلسي. وكنتيجة مباشرة وحتمية لهذا الطغيان ظهرت نواة قطب جديد شملت روسيا والصين ودول البريكس والتي نالت عطف ايران التي لها اكثر من الف كيلومتر من الحدود مع العراق. هناك ايضا ً علاقات عائلية واقتصادية ومذهبية قوية لايران مع العراقيين من العرب والاكراد والتركمان. لنتذكر ان حكومة البعث طردت، بحجة التبعية، اكثر من 200 الف عراقي الى ايران قبل واثناء الحرب العراقية – الايرانية. لقد عاد معظم هؤلاء الى وطنهم ومعهم عوائلهم التي كونوها في ايران. فتقوت العلاقات العراقية – الايرانية بهذه الطريقة المفهومة. ولكن امريكا ، التي استخدمت حزب الدعوة والمجلس الاعلى لاسقاط البعث والسيطرة على الدولة لنشر الفساد، رفضت التقارب بين الجارتين. تطرفت امريكا في عدائها لأيران بعد أن مزقت الاتفاقية النووية معها وفرضت الحصار الاقتصادي عليها وتعمل الان على تأجيج الشعب الايراني ضد الحكومة ، بالضبط كما فعلت مع العراق قبل احتلاله.

هكذا تكونت جهتان، ذات نفوذ، داخل العراق وكل جهة تعمل على التأثير على الشعب لتقوية جبهتها ضد الاخرى. لكن الشعب المسكين ينال الامرين من فساد حكومات الاحتلال الامريكي منذ ايام اياد علاوي ثم ابراهيم الجعفري وثم المالكي وثم العبادي وكل هؤلاء دخلوا العراق على متن الدبابات الامريكية ثم اختصوا في نشر الفساد. هناك اذاً الضرورة للشك في النظرية الداعية لانهاء الفساد عن طريق اسقاط حكومة عادل عبد المهدي مع بقاء المحتل الذي نشر الفساد في عمق الجهاز الحكومي.
وبمناسبة ذكر الاحتلال من الضروري هنا الاشارة الى ان امريكا تمكنت ،عن طريق التلفونات النقالة، التأثيرعلى عدد من قادة الجيش العراقي، كما اكده الشريف حسين بن علي في جريدة المؤتمر لاحمد الجلبي قبل الاحتلال. قرر هؤلاء العسكريون، بينهم عبد الوهاب الساعدي، بخيانة وطنهم وشرفهم العسكري عن طريق الانحياز الى العدو اثناء الهجوم من الحدود السعودية. بالطبع انهم نالوا عطف العدو المنتصر الذي نقلهم، بعد الاحتلال، الى المنطقة الخضراء ووجههم لقتل ابناء جلدتهم المقاومين بحجة القضاء على المتمردين في “المثلث السني” كما يعرفه الجميع.

وفي خضم الفوضى السائدة منذ الاحتلال حدثت، بالضرورة،  انشقاقات وتطورات نوعية حتى في صفوف الحكام الجدد. بين هؤلاء ظهر عادل عبد المهدي الذي كان له تجارب سابقة داخل حزب البعث وثم داخل الحزب الشيوعي (القيادة المركزية) وثم، بنصيحة في باريس من رئيس الجمهورية السابق ابو الحسن بني صدر الايراني، قام بقفزة صينية كبرى الى صفوف المجلس الاعلى لباقر الحكيم . ولما عينه المحتل كوزير النفط ونائب رئيس الجمهورية، حاول الاستفاد من تجاربه السابقة وقرر النظر الى المشكلة بعيون براغماتية، توفيقية وبعقليته العلمانية المترسخة. لكن هذه التجارب لم تفيده كثيرا ً في عمله كرئيس وزراء لدولة فاشلة مكروهة عند الشعب بشدة. وفي محاولة منه لانقاذ حكومته من الخلافات العميقة في المنطقة وخاصة بين امريكا وايران او بين الصين وامريكا اضطر الدخول في تجارب جديدة لا خبرة سابقة له فيها. لقد تجاوزت تصرفاته عددا ً من الخطوط  الامريكية الحمراء.

فمثلا ً انه فتح المنطقة الخضراء والمطار امام الزوار والمراجعين، معرضا ً بذلك المصالح الامريكية وسفارتها للخطر. انه قام بتثبيت الحشد الشعبي رسميا ً وزيد رواتب المنتسبين له وسلمهم مهام امنية خطيرة. انه قام بزيارة الصين بالرغم من تحذير وزير الخارجية الامريكي بومبيو له والاتفاق على ترشيح الصين لتنفيذ عدد من المشاريع بل حتى الحاق العراق بمشروع طريق الحرير.  انه  حاول الحصول على سلاح الدفاع الجوي اسوة بسوريا وايران وتركيا. انه اعلن عن موقف العراق الرسمي ضد صفقة القرن الامريكي. انه فتح معبر القائم بين سوريا والعراق، مما سهل الانتقال بين ايران وسوريا عبر العراق. وبهذا الخصوص كتب السيد محمد حسن الساعدي في رأي اليوم في 8/9/2019 يقول: (( تعمد القوات الامريكية المتواجدة هناك مع عصابات داعش، الى قطع الطريق بين سوريا والعراق وإيران، ومنع أي امداد عسكري الى سوريا ولبنان في أي حرب قادمة في المنطقة عموماً .)) علاوة على كل هذا تجرأ عادل عبد المهدي ، وهذا هو الاهم، واتهم اسرائيل بقصف مواقع الحشد الشعبي داخل العراق. بالطبع جن جنون امريكا!

هذه كلها امور خطيرة تعتبرها امريكا معرقلة لها في احتكار شؤون العراق والمنطقة  بل تشبه وكأن العراق متجه نحو محور المقاومة. هناك الآن ادلة كافية بأن امريكا عملت على ايقاف تصرفات عبد المهدي عند حده واستغلال نقمة الشعب على الفساد لتحريك اعوانها من القادة العسكريين الذين ساندوه في الاحتلال، كما ورد اعلاه. ثم لامريكا في بغداد اكبر سفارة في العالم فاستخدمتها لدفع العديد من منظمات ” المجتمع المدني” لاستقطاب وتوظيف الشباب المقهور ، مستخدما ً شبكات التواصل الاحتماعي، بما في ذلك السعودية منها، لترويج العنف والصدام .

الدليل الاهم في ارتباط الاحداث الخطيرة  بامريكا هو النداء التحريري الذي وصلني من العراق بتلفون نقال هولندي والموجه  في 3 /10/ 2019  أي بعد يومين من بدء المظاهرات :(( الى ابناء الجاليات العراقية في العالم واينما كنتم.)) يطالب بالنص: (( نرجو منكم الاتصال على ارقام الهواتف التالية وطلب مساعدة المتظاهرين السلميين في العراق، وهذه الارقام لأعضاء الكنغرس الامريكي مسؤولين عن ملف العراق: –
1 – السيد كيري بيترس عن ولاية ميشكن رقم الموبايل (……).
2 – السيد أندي الافين رقم الموبايل (…..).
نرجو من جميع الاخوة والاخوات المشاركة في الاتصال وطلب النجدة لمساعدة أهلنا في العراق.))
والشئ البارز جدا ً في المظاهرات الحالية هو ان المتظاهرين يتهمون قوات الأمن بإطلاق النار عليهم، فيما تنفي الأخيرة ذلك، وتقول إن ((قناصة مجهولين (( يطلقون الرصاص على المحتجين وأفراد الأمن لإحداث فتنة .)) وهذا ما حدث بالضبط في الايام الاولى من الفتنة الامريكية في سوريا حيث دربت  وسلحت القوات الخاصة الامريكية المتظاهرين في درعا وقادتهم الى ضرب القوات الحكومية ومن ثم اتهام هذه القوات باطلاق النار على المتظاهرين  ((السلميين)). (كذا)!

ثم ان الشعارات كلها موجهة ضد ايران ولا ذكر لأمريكا فيها. مثلا ً (( ايران بره بره بغداد تبقى حرة )) وهذا هتاف بعثي سمعته منهم في المظاهرات التي اشتركت فيها امام السفارتين العراقية والامريكية في لندن وبتحريض بعثيين اعرفهم. علما ً ان البروفسور سعد ناجي جواد سبق وكتب في رأي اليوم الغراء ليعبر عن اشمئزازه لاجتماعات حزب البعث في ميشيغان في امريكا.

من الضروري التشديد وبقوة على ان امريكا هي التي تحتل العرااق منذ 9 نيسان 2003 ولها قواعد عسكرية في طول البلاد وعرضها. و بعد سقوط عصابات داعش قامت امريكا ببناء خمس قواعد جديدة في المنطقة الكردية ، في سنجار واتروش وحرير واربيل وحلبجة. ثم ان العراق مرتبط، بالرغم منه، بأمريكا بمعاهدة عسكرية ((ستراتيجية)) واخرى اقتصادية ونفطية فمن الضروي ان يرفع شعبنا المنكوب شعار ((امريكا برة برة والا بغداد تبقى محتلة.)) ولهذا طالب السيد عبد الخالق الفلاح في رأي اليوم في 26/8/2019  بضرورة اعتراف امريكا بالسيادة العراقية وسحب قواتها في موعد معين.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/10/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد