كيف غيرت تجربة الجيش واللجان الشعبية موازين الحرب الكونية على اليمن؟ وما سر نجاحها الاستراتيجي؟
زين العابدين عثمان
ماتزال التجربة القتالية التي صدرها (سطرها) مجاهدو الجيش واللجان الشعبية خلال مواجهة الحرب الكونية لتحالف (أمريكا بريطانيا السعودية والامارات) على اليمن تمثل نقطة تحول فاصلة في علوم الحرب ومفاهيمها العسكرية والاستراتيجية الأكثر تعقيداً، فالتكتيكات والأساليب والفنون القتالية التي أظهرها المقاتل اليمني في مضمار المواجهة تعتبر مثالية وغير مسبوقة حيث حكمها عنصر الابتكار والدقة وعلوم القتال الجامعة التي مزجت بين عدد من أنماط القتال المعروفة – الكلاسيكية وحرب العصابات- وذلك في اطار توليفة جديدة من علوم القتال المتشابكة ..
تجربة مجاهدي الجيش واللجان التي صدرت خلال الـ 5 سنوات تعتبر واحدة من أعقد التجارب العسكرية وأكثرها جدلية في العلم العسكري التقليدي والحديث؛ فرغم الفارق الكبير بين قوات الجيش واللجان وبين قوات تحالف العدوان من حيث حجم التسليح والتكنولوجيا الحربية المتطورة والتفوق الجوي والكم البشري الهائل، لكن هذه التجربة حققت بفضل الله تعإلى نجاحاً مبهراً وغير مسبوق في التصدي لحملات قوات ومرتزقة تحالف العدوان النظامية وكسرها في أكثر من 50 محور قتال في جنوب اليمن وجبهات الحدود مع السعودية ..
(الجيش واللجان…وتوليفة القتال بتكتيك الحرب النظامية وحرب العصابات “)
لربما أن من أهم المظاهر العسكرية التي ظهرت في سلوك المجاهدين من الجيش واللجان الشعبية في المواجهة هو اعتمادهم على خليط من أنماط القتال؛ فالتركيبة البنيوية التي ظهروا عليها لا توحي بأنهم يخوضون الحرب وفق تكتيكات حرب العصابات فقط؛ بل إن ذلك يتعدى إلى مظهر جديد من مظاهر القتال الذي أخذ سلوك حرب الجيوش النظامية وحرب العصابات في آن والذي سنحاول أن نستعرضه في هذا السياق مع الفوارق التكتيكية والاستراتيجية بينه وبين أشهر أنماط القتال المعروفة في المدارس العسكرية الحديثة والبدائية :-
أولاً: الحرب النظامية (الكلاسيكية) وهي الحرب التي تكون نتيجة تصادم عسكري بين الجيوش النظامية لدولة وأخرى يكون مستوى أهدافها استراتيجية إلى حد كبير، فقد تكون إما لدوافع استعمارية أو لفرض توازنات قوى جديدة بين الدولتين، والشيء الأهم أنه يستخدم قي هذه الحرب شتى أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية واستراتيجيات نمط القوة الصارمة الفعال التي تخضع العدو وتحطنه عسكرياً كنموذج الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب العراقية الايرانية.
ثانياً: الحرب غير النظامية (حرب العصابات) وهي صنف آخر من أصناف الحروب الأكثر شهرة من بين جميع الانماط وذلك لأنها تعتمد على وسائل وقوات بشرية أقل وتعتمد أيضاً على مبادئ أساسية مغايرة لمبادئ الحرب النظامية، حيث يستخدم خلالها مجموعات أو فرق صغيرة منظمة من المقاتلين وتعتمد تكتيكات وأساليب وخطط عملياتية واستراتيجية قائمة على عوامل المواجهة الاستنزاف طويل الأمد ضد الجيش النظامي حتى ارهاقه بهجمات خاطفة واستباقية وعادة ما تخوض هذه الحروب المقاومات الشعبية ضد التدخلات الخارجية ومن نماذجها الحرب الكوبية والفيتنامية والمقاومة العراقية ضد الغزو الأمريكي بعد اجتياح عام 2003 .
ثالثاً: حرب التنظيمات الارهابية وحرب المافيا وحرب الجماعات الاجرامية، وهي أنماط حديثة لها فلسفتها في علم الحروب التي قد تشبه حرب العصابات إلى حد ما في أساليبها ومبادئها، ولكن هناك نقاط اختلاف جوهرية ومنها حجم الكم البشري والوسائل العسكرية وطبيعة الأهداف العملياتية المرسومة فحرب التنظيمات الارهابية قليلة جداً عدة وعديداً مقارنة بحرب العصابات، كما أن التكتيكات الحربية التي تعتمدها هذه التنظيمات والجماعات مرتكزة على إرهاب وإرباك العدو بعمليات هجومية مصغرة تلحق خسائر بقواته مع مرور الوقت، وفي طبيعة أهدافها فهي ذات أبعاد صغيرة لا تعتمد أهدافاً استراتيجية كبيرة كامتلاك القوة وفرض توازنات ردع مع قوات وامكانات الخصم.
أما عن تجربة الجيش واللجان الشعبية فقد كانت عبارة عن توليفة جديدة تعتمد على مبادئ وتكتيكات جامعة تشمل بنود الحرب النظامية والحرب غير النظامية في وقت واحد، أي أنها تتصدى وتستنزف جيش العدو كما تفعله العصابات وتدافع وتهاجم وتحرر الأرض وتطحن قوات العدو وتضرب عمقه الاستراتيجي عبر أذرع نارية ضاربة كالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمنظومات البحرية كما تفعله الجيوش النظامية. لذا فهذه التجربة الغنية بالفنون القتالية لا يمكن إلحاقها بأي مدرسة قتالية معروفة بل إن لها مدرستها الخاصة ومفاهيمها وتنظيمها الخاص في العلم العسكري الحديث.
سر نجاح هذه التجربة
ربما إن السؤال الذي حير الخبراء إلى اليوم هو سر قوة ونجاح تجربة المقاتل اليمني في كسر أكبر حرب كونية عرفها العالم، نرى كباحثين ومحللين أن الركيزة الأساس والأهم التي تقف خلف قوة ونجاح تجربة المقاتل اليمني (الجيش واللجان الشعبية) تكمن في العقيدة الإيمانية الراسخة والتي تولد العزيمة والإرادة للنصر، والاعتماد على الله تعالى في كل شيء باعتباره سبحانه وتعالى الناصر والمعين الذي لا نصر إلا من عنده، كذلك تحرك المجاهدين وفق توجيهات قيادة قرآنية شجاعة وحكيمة تستطيع أن تتخذ القرارات الاستراتيجية المتوازنة والمتوائمة مع ما تتطلبه مسارات المواجهة وما يقتضيه مسرح الصراع مع العدو في مختلف الظروف ومع جميع المتغيرات التي قد تحدث.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/10/24