مشاريع صهيونية قَيْد التنفيذ.. لم يعد سراً
بسام رجا
لم يعد في واقع الأمر ما تُخفيه السياسات العربية الرسمية، بعد أن عُزِفَ نشيد كيان الاحتلال في بعض العواصم واللقاءات السرّية لخطواتٍ قادمةٍ أكثر فَداحة.
أن يُعزَف النشيد "الوطني" لكيان الاغتصاب في دولة الإمارات فذلك لم يعد صادِماً، وأن يرتفع عَلَم القَتَلَة في دولٍ عربيةٍ تحت مُسمَّيات التبادُل التجاري والتطبيع الاقتصادي فهذا يقول إن ما غطَّته أوراق الخِداع طيلة عقودٍ كان يتسرب.
لا يعني مَن صافَح القَتَلَة في ليالي اللقاءات ونهاراتها أن هناك مَن صدَّق ذات يوم أن أنظمةً رسميةً عربيةً لن تغتاله مرتين، مرة حين كشف عن تواطؤ بعضها في حرب 1948، ومرة يوم قالت إن فلسطين قضيّتها المركزية.
ومركزية قضية فلسطين بعد 72 عاماً من اغتصابها تلاشت لتبدو اليوم في أوضح صوَرِها التي لا تخفي ما يُطرَح من مشاريع تطبيعية لبعض النظام الرسمي العربي، والذهاب بعيداً في الإعلان عن مُشتركاتٍ في الاقتصاد والسياسة والتنسيق العسكري.
وما يجد صَداه اليوم هو فتح الطُرُقات أمام الاحتلال في المُنتديات الاقتصادية ليُشارِك بشكلٍ عَلَني في المعرض الاقتصادي العالمي "إكسبو 2020" في دبي. وهذا جزءٌ يسير مما يُطرَح اليوم من تنسيقٍ في أعلى مستوياته ما دفع برئيس الوزراء الصهيوني المؤقَّت بنيامين نتنياهو إلى القول: إن هناك ست دول عربية ستكون قريباً في دائرة التطبيع الرسمي. وهذا يدفعنا إلى قراءة التحوّلات الخطيرة في المشهد الذي لم يعد بعيداً عن مستقبل التحرّك الصهيوني في مستوياتٍ تشكِّل له قاعدة على أرضيّاتٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ وما تحمله من تهديدٍ لأمن المنطقة والاقليم.
التحرّك الصهيوني العَلَني المُستنِد إلى البوارِج الأميركية في المنطقة والاقليم وزيادة التواجُد في الخليج، هو الحلقة الأخطر في توطيد "دعائِم" الاحتلال المُنسّق مع المشروع الأميركي وتمكينه من الحضور المُطلَق وغير المُقيَّد. وبُنية الحضورالصهيوني يُنظَر إليها في التكامُلية نحو تغييرٍ استراتيجي من منظورٍ أمني تؤسِّس له واشنطن من فوهات تثبيت نظرية المجال الحيوي. وهذا التمكين ينطلق من ثوابت استراتيجية في المنطقة، خاصة بعد أن اهتزَّ مشروع أميركا في الحرب على سوريا وسقط أيضاً ما تطَّلع إليه كيان الاحتلال من خلال دعم الإرهاب والإرهاببين في الجنوب السوري وفي أكثر من منطقة، وكذلك التعويل على الانفصال الذي تُشجِّعه واشنطن وتل أبيب.
ما أخلَّ بالمُعادلات على الأرض والحسابات الأميركية في المنطقة صمود سوريا وانتصارها مع محورٍ مقاوِمٍ وداعِمٍ استراتيجي تمثَّل بروسيا الاتحادية، وكذلك إرادة شعب اليمن في وجه الآلة العسكرية السعودية، والمقاومة الفلسطينية وشعبها وحزب الله والمقاومة العراقية وحاضنتهما الشعبية.
فشلت واشنطن في إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في الحرب على سوريا كما أرادت، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين سابقين وهذا جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر، حين نقل عنه معهد بروكينغز أن الولايات المتحدة قد خسرت بسياساتها أن تكون قوَّة عُظمى.
ويبدو أن إدارة ترامب تحاول أن تُرسِل إيحاءات أنها الأقدر على رَسْمِ سياسةٍ خارجيةٍ تُعيدها إلى الصَدارة. وهذا ما عبَّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المواجهات الاقتصادية مع الصين وحتى مع حلفائه الغربيين، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الامتعاض من السياسات الحمائية الأميركية والتهديدات المُبطَّنة حول حماية أوروبا وابتزازها اقتصادياً.
السياقات السابقة للسياسة الأميركية في المنطقة والاقليم وكما أشرنا ترتبط تاريخياً بإيجاد منافذ أمنية يكون فيها حليفها الصهيوني مُتصدِّراً، وإنْ من خلال ما ترسمه له،ـ مع ملاحظة أن هناك بعض التقديرات تقرأ أن كيان الاحتلال تجاوز مرحلة التبعيّة للسياسة الأميركية، وأصبح مُقرِّراً، وهذه تحتاج إلى بحثٍ والاستدلال في عُمق العلاقة وتطوّرها.
ما يحدث اليوم يُشير إلى أن هناك سياسةً واضِحةً غير مُلتَبِسة في تصعيد الحرب السياسية والعسكرية على محور المقاومة، والحصار لقواها والتهديد العسكري للجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك الانخراط في تأسيس مشروعٍ أمني في الخليج وحفظ أمن الملاحة، وترتيب ذلك مع بعض الأنظمة الخليجية التي تُجاهِر بأهمية العلاقة مع واشنطن و"إسرائيل"، وبالتالي التنسيق في مستوياتٍ عدَّةٍ للإيقاع القادِم في المنطقة وعلى عدَّة مراحل.
قضيّة فلسطين والحرب على المقاومة اتخذت مستوى هاماً في ريادة المواقف من صفقة القرن التي يدعمها النظام الخليجي ويُمهِّد لكل الخطوات القادمة اقتصادياً وسياسياً. وهو بالتالي وإنْ حاول الإيهام أنه غير مُنخَرِط، فالوقائع تؤكِّد أنه يرعى الصفقة.
واللقاءات التي حصلت مؤخّراً في الرياض مع مهندس الصفقة جاريد كوشنير تقول إن واشنطن لم تتراجع عن طرحها، فالمُقدِّمات تُتَرْجَم بأقوال وزير الخارجية الأميركي مايك بامبيو أن المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة هي مستوطنات "شرعية"، ما يؤكِّد أننا أمام مرحلة تكميلية لنقل سفارة واشنطن إلى القدس والاعتراف المُطلَق بيهوديّة الدولة وإنهاء ملف الصِراع العربي ـ الصهيوني وفق الطروحات المُشتركة صهيونياًـ خليجياً ـ أميركياً.
هذه المرحلة ارتبطت بتغيير الأولويات بعد الفشل في إسقاط الدولة السورية التي انتصرت بقوَّةٍ على المشروع الأميركي ـ الغربي والصهيوني وبعض النظام الرسمي العربي. والأولويات في المواجهة السياسية مع الجمهورية الإسلامية في إيران مفتوحة على مصراعيها، ويُغذِّيها كيان الاحتلال لتنتقل إلى عسكرية، وإنْ كانت تقديرات واشنطن أنها غير جاهزة لهذا السيناريو لما يحمله من آثارٍ قد تكون كارثيّة في كثيرٍ من الجوانب. مع الإشارة إلى أن مُحرِّكات ودوافِع الأميركي في المنطقة لم تتراجع عن نظرية الاحتواء ورَسْم قواعد جديدة للسيطرة عبر مداخل الضغوط الاقتصادية، والترهيب من العمل العسكري في الاقليم في حال تضرَّرت مصالحها. وفي هذا الضغط السياسي يدفع الكيان الصهيوني لتمرير رسائله من خلال ما يُقدِّمه من تقدير موقف لواشنطن أن الانسحابات من المنطقة ستؤثّرعلى المشروع الصهيوني وأمن الاحتلال، ما دفع وزير الحرب الأميركي مارك إسبر إلى تطمين حلفائه أن واشنطن لن تسحب جنودها من سوريا، وستبقى تُنسِّق في منطقة الخليج على أعلى المستويات لضمان أمن المنطقة.
ما حملته الرسائل الصهيونية في تصعيد الحرب على غزَّة والرد الموجِع من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ومحاولة تمرير رسائل إلى سوريا في عدوانها صباح الأربعاء 20-11-2019 أنها ستواصِل استهداف المقاومة ومَن يدعمها في ظلّ مُتغيّراتٍ استراتيجيةٍ في المنطقة، جعلت من الاحتلال الصهيوني في دائرة اختلال التوازُن الأمني مع قوَّة المقاومة في غزَّة، وكذلك سقوط رِهانات الاحتلال حول سوريا "المفيدة" أي المُقسَّمة التي يواصل جيشها تحرير ما تبقّى من أرضها ويُعيد الاستقرار على كامل الجغرافيا السورية.
رِهانات الأميركي ومعه كيان الاحتلال لتثبيت واقعٍ جديدٍ في المنطقة، تدخل اليوم من نوافذ بعض النظام الرسمي العربي الذي يُفاخِر بأنه يفتح كل حدوده للاحتلال، ويُلقي بصورة الماضي وشعاراته في ذاكِرة النسيان، ويختار طريق التطبيع بكل مداخله ليُشكِّل حلفاً علنياً مع "شلوم" وينصب في ساحاته المقاصِل لمَن يدعم المقاومة التي يصفها بالإرهاب. ويتخطَّى ذلك ليُساهِم في مشروع تصفية قضية فلسطين وشعبها، ودعم خطوات واشنطن لشَطْبِ منظمة "الأونروا" التي نالت مؤخّراً الثقة بـ170 صوتاً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة كي تستمر في عملها. وإن كانت أصوات بعض الدول والممالك العربية قد أيَّدت قرار استمرار منظمة "الأونروا"، إلا أن خطواتها على الأرض تُجافي الحقيقة.
لم يعد في واقع الأمر ما تُخفيه السياسات العربية الرسمية، بعد أن عُزِفَ نشيد كيان الاحتلال في بعض العواصم واللقاءات السرّية لخطواتٍ قادمةٍ أكثر فَداحة.
كلمة الفصل أن المقاومة وثقافتها لا يمكن أن تُخذِلا رجالها، والتمسّك بالثوابِت الوطنية الخالِصة ومواجهة الأخطار هما طريق الفصل أيضاً.
حين تنتصر سوريا تنتصر فلسطين، وحين تنتصر الجمهورية الإسلامية في إيران في مواجهة الضغوط هو نصر لفلسطين وسوريا وحزب الله وكل المقاومات في المنطقة والعالم في مواجهة مشروع الإلحاق والتجزئة والخراب الأميركي الذي يُراد له أن يجتاحنا.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2019/11/27