سليماني يطيح الاتفاق النووي
زكريا أبو سليسل
ساهم اغتيال قاسم سليماني في إعادة ملف الخطوة النووية الخامسة إلى طاولة القرار الإيراني، بعدما كان مجلس الأمن القومي قد حدّد، قبل التصعيد الأميركي، شكلها وتفاصيلها. فقبل اغتيال سليماني، بالنسبة إلى إيران، ليس كما بعده، وهذا ما أفرز تصعيداً سياسياً تَمثّل في إعلان طهران عدم التقيّد بالتزامات الاتفاق النووي، طالما لم تتقيّد به الأطراف المُوقّعة
على الرغم من توجّه الأنظار نحو الردّ الإيراني على اغتيال الولايات المتحدة قائد «قوة القدس» الجنرال قاسم سليماني، والخيارات العسكرية التي من الممكن أن تقوم بها طهران في هذا الصدد، فإن ثمة مساراً سياسياً من «الردّ المتدرّج»، دشّنته هذه الأخيرة مطلع أيار/ مايو 2019، للردّ على سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية، تزامن في محطته الخامسة المقرّرة اليوم الاثنين 6 كانون الثاني/ يناير، مع تصعيد خطير لم تشهده المواجهة الأميركية ــــ الإيرانية من قبل. هذا التزامن ألقى بظلاله على الخطوة الخامسة، إذ أعلنت الحكومة أمس رفع القيود عن عملياتها النووية بما فيها قدرات التخصيب، ونسبته، وكمية المواد المخصبة، فضلاً عن البحث والتطوير. لكنها في الوقت ذاته أكدت الاستمرار في التعاون مع مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كي تُثبت، بحسب رئيس تحرير النسخة العربية لوكالة «مهر» محمد مظهري، أنها «لا تتجه نحو السلاح النووي، وإنما تريد أن تستفيد داخلياً من قدراتها النووية».
مقارنة عناوين الخطوة الخامسة التي قالت الحكومة الإيرانية إنها الأخيرة، مع عناوين الخطوات الأربع الماضية، تُظهر تشابهاً كبيراً إلى حدّ ما. فالخطوة الأولى رفعت القيود عن كمية اليورانيوم المخصب والماء الثقيل الذي يجب أن تمتلكه طهران، فيما أزالت الخطوة الثانية القيود عن نسبة التخصيب، وربطتها بحاجة البلاد، بينما فتحت الخطوة الثالثة المجال مجدداً للبحوث النووية. أما الخطوة الرابعة فأعادت مفاعل «فوردو» للعمل من خلال ضخ الغاز في 1044 جهاز طرد مركزي فيه. لكن، على الرغم من تشابه العناوين، فإن المضمون يختلف؛ لأن رفع القيود عن تلك الالتزامات كان بحسب المطلعين رفعاً جزئياً، فضلاً عن أنه لم يأتِ تحت إعلان صريح مفاده أن «إيران لم تعد مقيّدة بالتزامات الاتفاق النووي، طالما لم تتقيّد به الأطراف المُوقعة»، في حين أن إيران، بخطوتها الأخيرة، تحرّرت من الالتزام المتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي، والذي حدّد الاتفاق سقفه بـ 5060 جهازاً من طراز «أي أر 1»، الأمر الذي يُسقط من طريقها آخر قيد عملي في الاتفاق.
بناءً على ما سلف، يعتبر مظهري أن «إيران أعلنت وفاة الاتفاق النووي عملياً»، لكنه في الوقت ذاته يحمّل واشنطن «مسؤولية إدخال الاتفاق النووي حالة الموت السريري عندما انسحبت منه»، مُذكّراً بأن «إيران انتهجت سياسة الصبر الاستراتيجي إزاء السلوك الأميركي بحق الاتفاق النووي، آملة أن يقوم الأوروبيون بإنعاشه من خلال آليات كآلية إنستكس».
أعلنت الخطوة الخامسة وفاة الاتفاق «عملياً»
مظهري أقرّ بأن السياسة الإيرانية المذكورة لم تؤت أكلها، ما قاد طهران وفق قوله إلى هذا «التصعيد السياسي في وجه أميركا، قبل البدء باتخاذ إجراءات عسكرية للرد على اغتيال سليماني».
الجدير ذكره أن التلويح الإيراني بإقحام الورقة النووية في خضمّ هذا التصعيد بدأ في اليوم الثاني لعملية الاغتيال، حين طالب أمين «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، محسن رضائي، في تغريدة في حسابه على «تويتر»، بأن «يسبق الردَّ الساحق والمدمر على ترامب إصدار أمر بشأن الخطوة الخامسة من تخفيض التعهدات الخاصة بالاتفاق النووي». الأوروبيون، من جهتهم، استبقوا التصعيد السياسي الإيراني بمحاولات دبلوماسية برز منها اتصال منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل، بوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، لمناقشة أهمية الحفاظ على الاتفاق النووي، وفقاً لما جاء في الإعلان الأوروبي. كما قام الاتحاد الأوروبي بدعوة الوزير ظريف إلى زيارة بروكسل، لكن طهران لم تؤكد أمس نيتها تلبية هذه الدعوة، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إن «القيام بهذه الزيارة ليس مؤكداً بعد»، مبرراً ذلك بأن «المواقف الأوروبية من الهجوم الأميركي الإرهابي الأخير لم تكن بناءة». وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن تأييد دول أوروبية لعملية اغتيال سليماني وانتقادها لإيران بدلاً من العمل على كبح المغامرات الأميركية عمّق الخلافات بين إيران والمعسكر الغربي. وعليه، فإن المعادلات انقلبت، ما قاد إيران إلى أن تُجري تعديلات في جوهر الخطوة النووية الخامسة.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/01/06