صفقة ترامب ومشاريع المنطقة
حمزة أبو شنب
قراءة الموقف الأميركيّ لا يمكن عزلها عن حالة الاصطفاف التي تشهدها المنطقة في ظلِّ الصراع بين عددٍ من المشاريع.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء (28-1-2020)، خطّته المسمّاة "صفقة القرن" لحلِّ الصراع الفلسطينيّ مع العدو الصهيوني، في مؤتمر صحافي برفقة صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سبقه مباركة من رئيس حزب "أبيض أزرق"، المنافس على رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بيني غانتس، بعد دعوته ونتنياهو لزيارة البيت الأبيض وغياب الطرف المؤمن بالتسوية في الجانب الفلسطينيّ.
لا يمكن عزل إعلان ترامب خطّته عن سياق مغازلته لصديقه نتنياهو ومنحه أوراق قوَّة ومساحة واسعة للمناورة في حملته الانتخابية الثالثة خلال أقلّ من عام، فالبداية كانت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وفي الجولة الثانية، منحه الاعتراف بشرعية الاستيطان في الضفة الغربية. وقد سبق ذلك الاعتراف بالقدس موحَّدة عاصمة لـ"دولة إسرائيل" ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب (يافا الكبرى) إلى القدس.
سلوك ترامب والإدارة الأميركية ينصبّ على تنفيذ رؤية اليمين لحسم الصراع في الضفة الغربية وضمِّها، حيث تشكّل الكتل الاستيطانية نحو 10-15% من الضفة الغربية، إضافةً إلى منطقة الأغوار التي تمثل ما يقارب 27% من الضفة الغربية، وبسط السيادة الإسرائيلية على كامل القدس، وتقسيم الضفة الغربية إلى مجموعة من المناطق المعزولة.
لا أرغب في الخوض بتفاصيل الخطّة المتعلّقة بإنهاء الصّراع وفق الرؤية الإسرائيلية الكاملة على صعيد الأمن والحدود والمعتقلين واللاجئين ونزع سلاح المقاومة، فهذه ليس المرة الأولى التي تُطرح فيها تفاصيل متعلّقة بهذه القضايا، مع موافقة طرف التسوية الفلسطيني على مبدأ نقاشها ووضعها على جدول أعمال المفاوضات.
إنَّ قراءة الموقف الأميركيّ لا يمكن أن يكون بمعزل عن حالة الاصطفاف التي تشهدها المنطقة في ظلِّ الصراع بين عددٍ من المشاريع؛ الأوَّل يقوده محور المقاومة الرافض للهيمنة الأميركية في المنطقة، والداعم لإزالة "دولة العدو" ومحاربتها بأدوات المقاومة كافةً، والذي تشنّ عليه الولايات المتحدة الأميركية حرباً ضروساً من خلال حصار إيران وسلوكها ضد قوى المقاومة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، ولا سيّما أنَّ الخطة نصَّت على ضرورة مواصلة حصارها في غزة والعمل على نزع سلاحها وسلاح حزب الله في لبنان.
المشروع الثاني يؤمن بالتسوية مع العدو الإسرائيلي وإمكانية تحقيق سلام مع "إسرائيل" عبر المفاوضات، وعلى رأسه السلطة الفلسطينية وبعض الأطراف العربية، والَّذي كان متحمّساً لتولي ترامب قيادة الولايات المتحدة في البداية، ولا أدري هل يدرك هذا الفريق أن الخطة هي نتيجة لمسار التسوية، وهي استمرار للتفاوض الَّذي بدأته نخبة السلطة رغماً عن إدارة الشعب الفلسطيني؟!
أما المشروع الثالث، فهو المؤمن بضرورة التطبيع مع "إسرائيل" والتعامل معها على أنَّها كيان لا يشكّل تهديداً للمحيط العربي والإسلامي، بل يرى بضرورة التحالف معه، لما يمتلكه من مقدّرات عسكرية قادرة على توفير الحماية لأنظمته من فكرة الثورة، وهي أطراف متماهية مع السياسية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وجلّ هدفها المرحلي هو القضاء على إيران وقوى المقاومة في المنطقة، باعتبارهما العدو الأول لها.
لم يكن الحديث عن حصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعزلها، والتباهي باغتيال الشهيد قاسم سليماني، وتجريم سلاح حماس والجهاد الإسلامي، خلال مؤتمر ترامب نتنياهو، إلا تأكيداً على تقسيم المنطقة، كما فعل أسلافهما، بما يحمله من مقارنةٍ وتهديدٍ للدول التي تفكّر في الخروج عن الموقف الأميركي.
اليوم، تقع على عاتق قوى المقاومة ومحورها في المنطقة مسؤوليّة كبيرة لمواجهة التحدي الصهيوني الأميركي، وهو ليس التحدي الأول، فقد نجحت المقاومة في الحفاظ على جذوتها في ظلِّ المؤامرات المتواصلة ضدها، وهي اليوم صاحبة المشروع الصاعد في المنطقة، والقادرة على إحباط المخططات الإسرائيليَّة والأميركيَّة.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/01/30