متى تُعلن إيران امتلاكها السلاح النووي؟
كمال خلف
في التاسع من هذا الشهر شباط/ فبراير تحدث وزير الدفاع الاسرائيلي” نفتالي بينيت ” عن تشديد الاستراتيجية الإسرائيلية ضد طهران والعمل على اخراج إيران من سورية خلال هذا العام . الأهم هو ما كشفه” بينيت ” عن وجود اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة مفاده أن تل أبيب ستتولى المسؤولية عن مواجهة إيران في سوريا، فيما تعمل واشنطن على مواجهة ايران في العراق. ويوم الخميس الماضي كشفت وسائل إعلام اسرائيلية عن وضع تل أبيب خطة أطلقت عليها اسم “تنوفا” أو “الزخم” وضعها الجنرال،” أفيف كوخافي” تقوم الخطة على إنشاء قيادة جديدة متخصصة بشن حملة تصعيد ضد طهران تشمل زيادة تفوق الاستخبارات العسكرية؛ وتوسيع نطاق جمع المعلومات الاستخباراتية الخاصة بإيران بما في ذلك عبر الأقمار الاصطناعية ، وكذلك تعزيز قدرات إسرائيل الإلكترونية والقدرات الهجومية ، وستعرض الخطة على مجلس الوزراء للمصادقة عليها وتخصيص موازنة لها .
أمام هذه التطورات تجد إيران نفسها أمام تهديد وجودي ، وليس حملة ضغط اقتصادية وحصار وتهديدات كلامية واسهداف بالوكالة . وهذا يتطلب من إيران تغييرا في طرق التفكير والخطط الدفاعية لحماية كيانها وشعبها . ونعتقد أن على إيران في هذه البيئة العسكرية والأمنية العالية الخطورة والتي تحول فيها الصراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مواجهة مباشرة أن تفكر في تغيير قناعتها بتمسكها ببرنامج نووي للأغراض السلمية ، لأنها باتت بحاجة إلى قوة نووية دفاعية ، تحقق معادلة ردع تضمن لها استمرار الصمود أمام الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية الغير مسبوقة . واضح ان قرار تل أبيب وواشنطن بات إخضاع المنطقة كلها بالقوة الصلفة ابتداء بصفقة القرن وانتهاء بتدمير قوة إيران على غرار تدمير العراق وسورية .
من المعروف أن فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي تمنع إيران من تحويل برنامجها النووي إلى عسكري انطلاقا من عقيدة اسلامية تقول ان هذا السلاح يفتك بالبشر ولا يجوز أن تستعمله الدول . إلا أن الظروف تغيرت منذ تلك الفتوى ، وباتت الخطط الإسرائيلية الأمريكية على الطاولة للتنفيذ لتدمير إيران وربما تقسيمها لاحقا . لذلك يغدو امتلاك إيران للبرنامج النووي العسكري وسيلة دفاع وردع ومنع للحرب وليس سلاح قتل . وعلى القيادة الايرانية التفكير بذلك جديا مهما كان حجم الاعتراض الدولي . لأن هذه المواقف الدولية المنافقة لا تنطق بكلمة واحدة إزاء ما تملكه اسرائيل من رؤوس نووية تهدد بها المحيط كله .
عندما كانت تنتشر نظرية أن إيران تتمدد في المنطقة ولها أطماع ، وأنها تحتل سورية و لبنان و العراق . وهي نظرية أطلقتها الولايات المتحدة وإسرائيل وتلقفها عدد ممن يسمون نخبة عربية وباتوا يرددونها ليل نهار حتى باتت ” كليشه ” ولازمة عند كل حديث عن دور إيران في المنطقة ، كانت الوقائع والحقائق تقول عكس ذلك و ان ايران كانت تدافع عن امنها القومي في المحيط لانها تعلم أن هذه المخاطر تستهدفها في نهاية المطاف . كانت إيران تقاتل في العراق وترسل السلاح إلى الفصائل العراقية وحتى للبشمركة في إقليم كردستان العراق عندما بدأ عزو داعش للمدن العراقية عام 2014 لانها تدرك أن مشروع داعش في العراق اذا ما نجح فإنه سينقل اليها وستضطر لقتاله على الأرض الايرانية . وفي سورية كانت إيران تعلم حجم المشروع ومن يقف خلفه وماهي أهدافه وأين يريد الوصول في نهاية المطاف . أدركت إيران أن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية باستخدام أطراف عربية وطموحات التيار الإسلامي” الإخواني” ، كانت تعمل على تغيير دور سورية في المنطقة وتدمير سورية على غرار ليبيا و الانتقال للقضاء على حزب الله في لبنان بعد ان هيأت البيئات الاجتماعية و السياسية عبر الدعاية الاعلامية والفتاوي الدينية على قاعدة مذهبية .
قد تعاكس هذه المقاربة لدور إيران وتحركها في الإقليم والمحيط النظريات السائدة المسنودة بقوة الدعاية ، لأن بعض النخبة العربية باتت متمترسة داخل قناعات من الصعب تغييرها . ولكن علينا إدارك مسألة جوهرية وهي أن تدمير إيران على يد الصهاينة في البيت الأبيض وتل أبيب سيعني انبطاح المنطقة كلها أمام الأقدام الأسرائيلية ، ودخولنا جميعا في العصر الإسرائيلي .
استوعبت إيران دروس وتجارب الدول والقادة في المنطقة ، ورأت كيف احتلت الولايات المتحدة العراق وتم تدميره وتحويله إلى دولة فاشلة ، وكيف تعامل الغرب مع القذافي ، وكيف تبتز الولايات المتحدة دول الخليج و ترغمها على دفع مليارات الدولارات . ولا تريد إيران الوصول إلى هذا المصير بما لديها من كبرياء الدول التي تحترم تاريخها و تدافع عن قرارها المستقل ، لذلك تقاتل إيران في خطوط دفاع متقدمة في كل ساحه ترى فيها تهديد مباشر لأمنها و تعمل على إجهاض مشاريع الولايات المتحدة وإسرائيل في كل مكان لأن تلك الخطط توصل في نهاية المطاف إلى قطاف رأسها .
اليوم بات أمام الولايات المتحدة وإسرائيل التوجه مباشرة نحو إيران لإسقاط نظامها والحاقها بقائمة الدول المدمرة أو التابعة ، وبات على إيران مواجهة هذا الخطر و الدفاع عن نفسها ، ولا نستبعد مطلقا أن تلجأ إلى عسكرة برنامجها وامتلاكها ما يردع اعداءها، وهذا حقها. وحق الدول الإسلامية والعربية أن تملك ما استطاعت من قوة في مواجهة كيان عدواني شرس يحتل أرض عربية بالقوة ويسعى لاحتلال العالم العربي كله وأخضاع الأمة الإسلامية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/02/15