لماذا لبنان بكامله في دائرة الاستهداف الأميركيّ؟
د. وفيق إبراهيم
العقوبات الأميركية التي تصوّب على الجانب الاقتصادي من تفاعلات حزب الله، هي بكل تأكيد أسلحة شديدة الفعالية.
لكن الطرف الوحيد الذي لا يتأثر بها هو حزب الله الذي يزعم الأميركيون انهم يعاقبونه حصراً.
واذا كان الحزب غير قابل للاصابة حتى القليل من الاضرار الاميركية، فلماذا تصدرها وزارة الخزانة الاميركية؟ وهل صحيح ان الاميركيين يجهلون ان عقوباتهم لا تتسبب بأذية حزب الله؟
هذه افتراضات لا يمكن البناء عليها إلا بعد تحليل الأسباب التي تبرهن ان هذه العقوبات هي اطلاق نار عشوائي على كامل الدولة اللبنانية بشقيها المقيم والمهاجر.
بداية لا بدّ من الاشارة الى ان هذا الحزب المجاهد يدير جانباً اقتصادياً هاماً مباشرة او بشكل غير مباشر للعناية بنوعين من العلاقات: داخلية لتأمين مستلزماته الجهادية والإدارية و»خارجية محيطة» ترعى جانباً هاماً من التفاعلات الاقتصادية ذات الطابع الإنساني مع بيئته الحاضنة.
ما هو مؤكد هنا، أن المصادر المالية للحزب قسمان: تمويل من الحليف الكبير إيران، وهذا يتمّ نقداً وبالمباشرة من دون وسطاء وعملاء وانظمة مصرفية، اما القسم الثاني فهي استثمارات قانونية شرعية تلبي حاجات عائلات مجاهديه والبيئة المدنية المتاخمة وقد تمتدّ حيناً الى تفاعلات مدنية «متاخمة».
ان ميزة هذه الادوار هي في نجاحها بامتصاص معدلات مقبولة من قسوة الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي على الفقراء وذوي الدخل المحدود من الصيدليات التي تبيع الدواء الإيراني الصنع بأسعار زهيدة والمؤسسات الطبية التي تعالج «المدنيين» بأسعار «الكلفة» ومؤسسات الاهتمام بعائلات الشهداء الذين قدموا حياتهم من اجل الدفاع عن المنطقة.
دون نسيان مؤسسة «القرض الحسن» التي تؤدي دوراً مالياً لأهداف إنسانية صرفة، تدعم ذوي الدخل المحدود بقروض من دون فوائد انما مع القليل من الرسوم الإدارية بالاضافة الى مؤسسات عقارية وتجارية متعددة، تلعب دوراً في دعم الناس بأسعار تقاوم فيه الاحتكار المدني المماثل والقاتل.
ما يمكن استخلاصه من هذا الإيجاز ان مصادر تمويل الحزب الاساسية لا تمر عبر القنوات المصرفية اللبنانية، حتى ان القسم الذي يجري وضعه في خدمة المجتمع الأهلي يتجاوز لعبة «الشيكات» الى النقدي إلا في بعض المؤسسات العقارية التي للحزب فيها تأثيراته.
هذا الوضع يؤدي الى التساؤل عن قدرة عقوبات اميركية على التأثير على تمويل حزب الله وتفاعلات مؤسساته مع الجمهور؟
للتذكير فقط فإن هذا الحزب لا يمارس اعمالاً ارهابية على طريقة داعش وحواملها ومعظم الانظمة العربية والإسلامية ذات الولاء الأميركي ما يدفع الى البحث بعمق عن أسباب هذه العقوبات، فيتبين على الفور ان العقوبات على إيران وحزب الله سببها، ارتباطهما بالقضية الفلسطينية على مستوى بنيوي وليس مجرد تحالف نفعي موقت ومشاركتهما في ردع الحرب على سورية، ودوريهما في صد الهجوم عليها من الإرهاب الدولي والتركي والاميركي والاسرائيلي والاردني والخليجي، الى جانب دور اوروبي… فهل بقي طرف واحد من الاميركيين والمتأمركين لم يهاجم سورية او إيران؟ فكيف يتركون حزب الله الذي يشكل رأس الحلف العربي المنتظم ضمن جبهة المقاومة من لبنان الى اليمن مروراً بسورية والعراق مع جيوب وازنة على مستوى معظم بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
لذلك، فإن هذه العقوبات العاجزة عن اجهاض دور حزب الله اللبناني والإقليمي تمتلك على الأغلب مهمات كامنة في الموقع الذي تصوب عليه وهو بالطبع لبنان.
فإذا كان تمويل الحزب ورعايته لتفاعلات اقتصادية غير رأسمالية احتكارية كالسائد لدى الأميركيين والأوروبيين ومعظم بلدان العالم، فأين الفائدة المرجوة من هذه العقوبات التي لن تستطيع قطع العلاقة بين هذه المؤسسات الإنسانية واللبنانيين بجوانبهم: الشعبي والرسمي والاقتصادي؟
فهذه المؤسسات لا ترتبط بالتعاملات والوظيفة مع الرسمي والمصرفي والاقتصادي اللبناني بما يدفع الى التفكير عن أهداف غير مرئية لها.
اهدافها الاولى هي ترويج الصفة الإرهابية لحزب الله محلياً وإقليمياً ودولياً. وهذه ليست اساسية لأن استهداف الحزب لم يتوقف منذ بداية قتاله لـ»إسرائيل».
اما الهدف الأعمق، فمحاولة ضرب علاقة الناس بالحزب، أي إرهاب المتعاطين مع المؤسسات الانسانية ومراكز الخدمات المصرفية التي يمتلك الحزب تأثيراً عليها، بأنهم مهددون هم وابناؤهم المهاجرون نتيجة لعلاقاتهم مع حزب الله، فيجدون انفسهم مرغمين على قطع تفاعلاتهم المفيدة لهم اقتصادياً من خلال مؤسسات الحزب.
فينهار القطاع الشعبي الحامي للحزب وتتراجع أهميته في الدولة اللبنانية والمجتمع وهذا ما يريده الأميركيون ويشجعون حلفاءهم الداخليين على استهداف حزب الله بدوره الإقليمي المناهض للإرهاب وأهميته السياسية في النظام.
كما يأمل الأميركيون رفع مستوى العداء لحزب الله عالمياً والإبقاء على الموجود منه لاستخدامه مذهبياً وطائفياً وتهديد لبنان بأسره دولة وشعباً بتوسيع إطار العقوبات لتشمل سياسيين واقتصاديين وأحزاب من مختلف الطوائف.
إن هذه المعطيات تكشف ان العقوبات الاميركية تسدد بعناية على كل لبنان بطوائفه ومناطقه، وهي تعرف سلفاً ان حزب الله لا يتضرر منها، لكنها تراهن على عزلة لبنانية لحزب الله تترافق مع مطالبات بالحدّ من دوره الإقليمي وأهميته الداخلية.
فهل هذا ممكن؟
موازنات القوى الداخلية والإقليمية تشير الى ان هذا المشروع الأميركي لن يؤدي إلا الى تبديد الوقت في مرحلة يواصل فيها الحزب بدفع جماهيري غير مسبوق الدفاع عن لبنان والإقليم في وجه النفوذ الأميركي بأشكاله الإرهابية المتنوعة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/02/28