الرد الفلسطيني على جريمة القرن
منير شفيق
على الرغم مما تحمله «صفقة القرن»، أو في الأصح «جريمة القرن»، من مخاطر آنية ومستقبلية على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، إلّا أنها في الوقت ذاته تدفع إلى توحيد الشعب الفلسطيني، بعد انقسام مرير، كما تدفع إلى رفع مستوى المقاومة الشعبية ضدّ الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية، وتهيّئ لدخول مواجهة حاسمة بين الشعب الفلسطيني، وبدعم شعبي عربي وإسلامي وعالمي من جهة، وبين أميركا دونالد ترامب والكيان الصهيوني من جهة أخرى.
في البداية، يجب التأكيد على الأهمية السياسية فلسطينياً وعربياً وعالمياً، لرفض «فتح» والرئيس الفلسطيني محمود عباس لصفقة ترامب، الأمر الذي يُسهم في عزلة هذه الصفقة الجريمة، عربياً وإسلامياً وعالمياً. وقد عُبِّر عن ذلك، أيضاً، من خلال قرارات صدرت عن الجامعة العربية، ومؤتمر التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، ناهيك عن روسيا والصين وغالبية دول العالم. على أنّ هذا كلّه، على أهميته السياسية، بداية، لا يكفي إذا ما اقتصر الموقف الفلسطيني عليه، لأنّ العزلة السياسية لأميركا ترامب، لا تؤدي إلى دفن المشروع وعدم السماح بإحيائه، في أول فرصة سانحة مقبلة. والأهم من ذلك، لأن الكيان الصهيوني بدأ يُعدّ لاتّخاذ خطوات عملية لشرعنة ما قدمته الصفقة الإجرامية من تثبيتٍ لما اغتُصب من فلسطين عام 1948، ولما قام من مستوطنات وطرق التفافية في الضفة الغربية، وما أعلن عن اعتبار للقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وترجمة ما سمي بيهودية الدولة لتهجير المزيد من الفلسطينيين.
بمعنى آخر، إنّ رفض الصفقة الجريمة لا يكفي، فلسطينياً، ما لم تصحَبُه وحدة فلسطينية شاملة، تذهب إلى إطلاق انتفاضة شاملة في القدس والضفة الغربية، تضع هدفها دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وبلا قيد أو شرط من الضفة الغربية والقدس، وهما اللتان يُركز عليهما الكيان الصهيوني، في المرحلة الراهنة، في تطبيق تلك الصفقة. ومن هنا، يجب أن تكون هاتان النقطتان مركز المواجهة، ليس لإحباط الصفقة الجريمة ودفنها فحسب، وإنما أيضاً لتحرير القدس والضفة الغربية كخطوة ضرورية، وممكنة، وذلك على طريق الانتقال إلى التحرير الكامل لكل فلسطين من النهر إلى البحر، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش.
لقد أصبح من المسلّم به أنّ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية غير قادر على الاستمرار إذا حُرِمَ من التنسيق الأمني
إن قراءة دقيقة لموازين القوى، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، تسمح بالانتقال في مقاومة «صفقة القرن» من رفضها وإحباطها، إلى الهجوم على الاحتلال والاستيطان. فالكيان الصهيوني يقف عاجزاً في مواجهة المقاومة المسلّحة في قطاع غزة، كما يقف عاجزاً أمام سلاح حزب الله في لبنان، وأمام زرع الصواريخ البالستية في سوريا، فضلاً عن البرنامج الصاروخي البالستي، والتطوير التكنولوجي العسكري في إيران.
لا يمكن أن يفسَّر عدم القيام بحربٍ من جانب الجيش الصهيوني لمواجهة كل ذلك، منفرداً ومجتمعاً، إلّا لخوفه من فداحة الخسائر في عمقه الاستراتيجي، وعدم ضمانه لنجاح الحرب إذا شنّها. وهذا العجز يجب أن يُعتبر عجزاً أميركياً أيضاً، لأنّ ما من حرب شنّها الكيان الصهيوني في الماضي، إلّا كانت مغطاة أميركياً، عدا العدوان الثلاثي الذي كان مُغطى فرنسياً وبريطانياً عام 1956.
من هنا، يمكن التأكد أن انطلاق انتفاضة شعبية في القدس والضفة الغربية، وبتصميم وعناد لأسابيع أو أشهر، في ظلّ وحدة وطنية، لن يحتملها الكيان الصهيوني وأميركا، فالانتفاضة تمتلك كلّ أوجه الشرعية، بينما الاحتلال غير شرعي، والاستيطان جريمة حرب من خلال القانون الدولي، وثمة قرارات من هيئة الأمم المتحدة تؤكد ذلك. أضف إلى ذلك، العزلة الدولية التي تعاني منها أميركا ترامب والكيان الصهيوني، بل أضف ضعف الدول العربية المهرولة نحو التطبيع حيث لا قدرة لها على التحدي.
إنّ هذا البعد المتعلّق بموازين القوى والظروف السياسية المعطاة، يجعل الاكتفاء برفض الصفقة الإجرامية سلبياً، إذا لم يقرن من جانب فتح والرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف التنسيق الأمني، وإذا لم يقرن بوحدة وطنية تذهب إلى انتفاضة شعبية سلمية تجعل أرض القدس والضفة الغربية تميد تحت أقدام الاحتلال والاستيطان.
لقد أصبح من المسلّم به أنّ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية غير قادر على الاستمرار إذا حُرِمَ من التنسيق الأمني، الذي يسمح ببقاء الاحتلال وبوجودٍ مريح للمستوطنات. هذه الحقيقة لا تقبل من فتحاوي أن يقول: «إنني ضد الاحتلال وضد الاستيطان، وأنا مع التنسيق الأمني»، أو يقبل مُكرهاً بالتنسيق الأمني. لا احتلال في الضفة الغربية من دون تنسيق أمني، وقد جرّبوا وقف هذا التنسيق لشهر واحد، وأكاد أقول لأسبوع واحد. انظروا حالته وحالة الاستيطان، وكيف سينسحب من مناطق واسعة، وكيف ستصبح المستوطنات تحت حصار، وكيف تُخْرِجُ الأرض أثقالها.
وانظروا كيف ستتحرك الجماهير الفلسطينية، دعماً للقدس والضفة الغربية، وكذلك الجماهير العربية والإسلامية والرأي العام العالمي، وسترون الحاكم العربي المهرول يكاد يصرخ خذوني.
لهذا، على الرئيس الفلسطيني و«فتح» ألّا يختبئا وراء إصبعيهما إذا استمرا بالجمع بين رفض الاحتلال والاستيطان و«صفقة القرن» من جهة، وبين التنسيق الأمني وعدم الإسهام في تحقيق وحدة فلسطينية، وإطلاق انتفاضة شعبية سلمية، ضد «صفقة القرن» ولدحر الاحتلال والاستيطان من جهة ثانية.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/02/29