الشعوب ترفض التطبيع ومُواجهة الأنظمة باتت وشيكةً
زهير أندراوس
لم نعُد بحاجةٍ لتأكيد المؤكَّد بأنّ إسرائيل هي دولة عنصريّة بامتياز، سئمنا من إيراد الأمثلة والقصص والقرائن والحقائق عن فاشيّة كيان الاحتلال، الذي زرعته الإمبرياليّة والرجعيّة العربيّة والحركة الصهيونيّة على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ في نكبة العام 1948، في جريمةٍ، تُعتبر برأينا المُتواضِع جدًا، أكبر وأخطر جريمة في تاريخ البشريّة، ولا نقول الإنسانيّة، ولكن المُؤسِف، المُخجِل، المُريب والمُشين أنّه في الوقت الذي تنتقل فيه هذه الدولة المارِقة بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء من مرحلة العنصريّة إلى حقبة الفاشيّة، تقوم العديد من الدول العربيّة، وتحديدًا دول الخليج، بالهرولة للتطبيع معها، واستقبال أقطابها ووفودها الرياضيّة وعزف النشيد الـ”وطنيّ” الصهيونيّ على أرضٍ عربيّةٍ وبقرارٍ عربيٍّ، مصدره الأوامر الصادِرة من واشنطن وتل أبيب، وبالتالي لا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا بأنّ عددًا من الأنظمة العربيّة الرسميّة باتت عبئًا على فلسطين، في حين لم تكُن فلسطين في يومٍ من الأيّام عبئًا على الدول العربيّة المُتحالِفة مع واشنطن، كما أنّه غنيٌّ عن القول إنّ هذه الدول التي لا تملك لا قرار الحرب ولا قرار السلم، بل قرار التواطؤ والتخابر مع رأس الأفعى أمريكا، وربيبتها – حبيبتها، إسرائيل، والطامّة الكُبرى أنّ هذه الدول الخليجيّة، التي لا تعرف البرلمانات ولا الانتخابات تُريد تصدير الديمقراطيّة إلى سوريّة، وإلى كلّ بلدٍ عربيٍّ يسعى إلى الوحدة العربيّة، أيْ أنّ هذه المحميات الأمريكيّة-الإسرائيليّة تعمل على مُعاداة كلّ توجّهٍ عروبيٍّ، لأنّ العروبة بمفهومها وسياقها التاريخيين، هي الوحيدة، التي تُشكِّل خطرًا إستراتيجيً-وجوديًا على كيان الاحتلال، وعلى المصالح الإمبرياليّة في الشرق الأوسط، وتُجاهِر بضرورة القضاء على الأنظمة الخليجيّة، التي هي الوجه الآخر للاستعمار والاستكبار، والتذكير فقط فإنّ شعار “صراع وجود وليس صراع حدود”، هو من شعارات القوميين العرب.
***
في الآونة الأخيرة، وتحديدًا مع انطلاق ما يُسّمى زورًا وبُهتانًا بالـ”ربيع العربيّ” (!) بدأت الـ”دكاكين الوطنيّة”، التي انتشرت في الوطن العربيّ كالنار في الهشيم، تتناول ديباجة جديدة مفادها أنّه إذا كانت السلطة الفلسطينيّة تقوم بالتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ، فكيف يُمكِن أنْ نطلب من الدول العربيّة الامتناع عن التطبيع مع هذا الكيان الفاشيّ، الذي يسرق جثث الفلسطينيين ويُتاجِر فيها؟ ونجِد لزامًا على أنفسنا القول-الفصل: مَنْ يتبنّى هذه النظريّة لا يقِّل خطورةً عن ألّد أعداء الأمّة العربيّة من مُحيطها إلى خليجها، إذْ أنّه من المعروف أنّ الوطنيّة هي الملاذ الأخير لكلّ نذلٍ، وأنّه عندما تُصبِح الوطنيّة مصدر رزق يكثُر الوطنيون، وهكذا أنتج “الربيع العربيّ” (!) أجندةً شديد الخطورة، تتساوَق وتتماهى مع طرح الإمبرياليّة والصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، هذا الثالوث غير المُقدَّس الذي عمِل وما زال يعمَل على تفتيت الدولة السوريّة المُقاوِمة والمُمانِعة، وذلك كمُقدّمةٍ للإجهاز على ما تبقّى من فلسطين، عُلاوةً على ذلك، نشط أعضاء وروّاد هذه النظرية بالترويج للرواية الكاذِبة والمُزيّفة بأنّ إيران هي العدوّ للأمّة العربيّة، وليس كيان الاحتلال الإسرائيليّ، الذي قضى بجرائمه البشِعة على البشر والشجر والحجر.
***
وفي كلّ سياقٍ تاريخيٍّ يتحتّم على الكاتِب أوْ الباحِث العودة قليلاً إلى الجذور: عددٌ من دول الخليج أقرّت بأنّها قدّمت مليارات الدولارات من أجل دعم “الثورة السوريّة”، التي انطلقت من أجل تفتيت الدولة السوريّة خدمةً لأجندات الغرب الاستعماريّ، وفي هذه العُجالة لا بُدّ من التذكير، هذا إنْ نفعت الذكرى، بأنّ الائتلاف عينه، الذي حاول إسقاط الدولة السوريّة، هو الذي تآمر على ليبيا وأسقط نظام الحكم فيها، لتتحوّل ليبيا اليوم، بعد عقدٍ من الزمن على الـ”ثورة”، إلى دويلاتٍ طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ وعرقيّةٍ، حيث بات التدّخل الأجنبيّ العسكريّ في هذه الدولة العربيّة شعار المرحلة، وذلك للإمعان في تقسيم ليبيا وعدم السماح لها بأيّ شكلٍ من الأشكال العودة إلى مقام الدولة الوطنيّة، وهذه السياسة، تقسيم الدول العربيّة وإذكاء الفتن فيها، تخدِم أولاً وأخيرًا كيان الاستعمار الإسرائيليّ، وتُقدّم الهدايا على أطباقٍ من ذهب لرأس الأفعى، الويلات أوْ الولايات المُتحدّة الأمريكيّة.
***
وأخيرًا، يجِب التشديد على أنّ التساوق في المصالح بين دولٍ خليجيّةٍ وبين واشنطن، ومن بعدها تل أبيب، يتجلّى واضِحًا في الموقف من حزب الله، فالولايات المُتحدّة وكيان الاحتلال يعتبِران حزب الله اللبنانيّ، الذي مرّغ في حرب لبنان الثانيّة، صيف العام 2006، أنف الاحتلال بالتُراب، يعتبِران حزب الله تنظيمًا إرهابيًا، وفي الوقت عينه اتخذّ “مجلس التعاون الخليجيّ” (أوائل آذار “مارس” 2016) قرارًا يرى في حزب الله مُنظّمةً إرهابيّةً، تمامًا مثل رأس الأفعى أمريكا وذيلها، إسرائيل، وهذا التساوق في المصالح بين الطرفين، واشنطن وتل أبيب من جهة ودول الخليج من الجهة الأخرى، ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج علاقة بين حاكمٍ ومحكومٍ، بين آمرٍ ومأمور، كما أنّ هذه العلاقة بين “السيّد” و”العبد”، هي تمامًا الجدليّة التي تحدّث عنها المُفكِّر الألمانيّ هيغل، ومع كلّ ذلك، نبقى على ثقةٍ كامِلةٍ بأنّ الشعوب العربيّة ستنتفِض وبقوّةٍ ضدَّ المؤامرات التي تحيكها أنظمة معينّة من أجل استيعاب كيان الاحتلال كلاعبٍ عاديٍّ في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي رفضته وما زالت ترفضه الشعوب العربيّة، وستبقى على موقفها، حتى استعادة فلسطين، كلّ فلسطين.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/03/03