جدل الإنسانية واللانسانية في الأزمة الصحية الإيرانية
ساعود جمال ساعود
وأما إيران وما اعترى شعبها من خطر فيروس القرن الواحد والعشرين، فقد كان له فضل على الباحثين في دقائق الأمور وتفاصيلها، والجادّين في الوقوف على الخبايا، حيث أظهرت الأزمة الصحية في إيران النزعة الإنسانية من جهة بينما فنّدتها وأثبتت أنّ الإنسانية وستار وهمي لا أكثر ولا أقل، فكيف ذلك، لعل هذا ما سأحاول إثباته في هذه المقالة الموجزة كثيراً.
انتشر فيروس العصر في إيران المستهدفة بيولوجياً من قبل أمريكا على غرار إيطاليا ووهان، وها هي وزارة الصحة الإيرانية تُعلن في 21/3/2020م، وفاة 123 شخصاً وإصابة 966 آخرين بفيروس كورونا، وفي واحدة من أسمى تجليات المعاملة الإنسانية، قامت الحكومة الإيرانية ضمن المساعي الرامية إلى مواجهة فيروس كورونا بالعديد من الإجراءات من قبيل التواصل مع الدول الحليفة كروسيا التي أرسلت لهم أجهزة للكشف عن هذا الداء، والصين أرسلت أربع شحنات أدوية لإيران، ورش المحافل العامّة بالمبيدات الوقائية، وتعقيم دوائر الدولة، وفك التجمعات وفرض حظر على التجوال، لدرجة إعلان القائد العام للجيش الايراني انطلاق مناورات الدفاع البيولوجي لمواجهة كورونا في انحاء البلاد، ولكن إيران فاقت دول العالم بإنسانيتها عندما حاولت إنقاذ شعبها حتى شريح السجناء بما فيهم الخطرين والسياسيين في محاولة منها لإنقاذهم من الموت، حيث أعلنت السلطات المعنية في دولة إيران إطلاق السراح المؤقت لـ85 ألف سجين من بينهم سجناء سياسيون، وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا، فيما أغلقت إيران 4 مواقع دينية رئيسية للسبب ذاته، وفي هذا دليل على النزعة الإنسانية عند صنّاع القرار في إيران عكس ما تروّج الدول المعادية لإيران ومن بينها أمريكا، التي تنعت السياسيين الإيرانيين بما ليس فيهم، ولا عجب فهذه هي حروبها الإعلامية التي تفخر بها ضد من تريد تصويره بثوب العداوة، ولكن جاءت هذا الأزمة الإنسانية لتعّري الأطراف الدولية من ادعاءات العلم والإنسانية فحتى أمريكا المصنعة للفيروس لم تسلم هي الأخرى من انتشار الفيروس في بلادها وفتكه ببعض مواطنيها واليوم يخرج ترامب ليعلن نيويورك منطقة كوارث وكم يطيب لنا هذا في دولة اتخذت الظلم سيفاً وسوطاً تضرب به بلدان العالم أجمع.
بالمقابل فقد كشفت الأزمة الصحية في إيران وهم ما تدّعيه بعض الدول من إنسانية، ولا أدل على ذلك مما ذكرته وكالة “خانة ملت”، من قيام رئيس البرلمان، علي لاريجاني، في رسالة وجهها إلى رؤساء البرلمانات في العديد من دول العالم في دعوة صريحة إلى مد يد العون من دول العالم لمواجهة الفيروس اللعين بقوله: “ندعو إلى تدخل عالمي لرفع العقوبات غير الإنسانية ومساعدتنا في احتواء أزمة كورونا”، وبالفعل فقد ذهبت بعض الدول لاستجابة للنداء الإيراني كروسيا التي سارعت للاستجابة مثلاً لتسرع بمطالبة الأمريكي برفع العقوبات عن الإيراني، فحسب سبوتنيك فقد قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي “طالبنا ونطالب الولايات المتحدة برفع الممارسة غير الإنسانية بفرص عقوبات أحادية ضد إيران، والتي تعاني من نقص حاد في الوسائل اللازمة لحل القضايا الصحية الطارئة في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد”، ولكن ما النتيجة؟ لقد جاءت نتيجة الطلب الروسي والمطالب الأخرى برفضها رفع العقوبات عن إيران التي تواجه محنة إنسانية تعصف بأغلب دول العالم، وهذا الأمر له دلالاته التي يجب أن تسجل من باب النتائج التي يخلص أي باحث في هذا الموضوع طال بحثة أو صغر.
والنتيجة برأي إن تجلّي النزعة الإنسانية في التصرّف الإنساني وإن كان بدوافع صحية واحترازية لوقاية لوقايتهم من جهة ولوقاية المجتمع منهم كبؤرة بشرية تؤدي إصابتها إلى أضرار هائلة على المجتمع الإيرانية، إلا إنّها سابقة تسجّل لصالح الحكومة الإيرانية وخطوة لم تقدم عليها إلا قلة قليلة من دول العالم، كما يعكس شجاعة وقدرة على ضبط الأمور وأخذها بالمنحنى المراد، ولكن الرفض الأمريكي اللإنساني عكس رغبة حقيقية بتوسع الأمور وامتداد الخطر في إيران التي لم تقدر عليها دبلوماسيا ولا عسكرياً، فكانت هذه الضربة البيولوجية بديلاً عن الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران واللتان يجمعهما الرغبة بتوجيه ضربة إلى الأمن القومي الإيراني، ولكن نحن على ثقة بالقدرات الإيرانية على شتى المستويات وواثقين بأنّ الحلفاء لن يتخلوا عنها بمثل هذا الوقت الحرج، والتي تمر به شعوب العالم أجمع.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/03/23