حرب غير أخلاقية تقودها الولايات المتحدة ضد إيران.. أوقفوا العقوبات قبل الأزمة الكبرى
د. محمود البازي
في الوقت الذي يصرّح فيه المسؤولون الإيرانيون بأن إيران تمتنع عن إعلان الحجر الصحي وفرضه على المحافظات الإيرانية لأسباب تاريخية أو بحسب (حريرجي نائب وزير الصحة الإيراني): “الحجر الصحي هو لمكافحة الأوبئة والطاعون بعد الحرب العالمية الأولى وأنه لا يقبل بفرضه في إيران، وأن الصينيين أيضا غير راضين عن هذه الطريقة في التعامل مع الفيروس”.
وبدورنا ففي جعبتنا العديد من الإنتقادات لهذه التصريحات التي تخالف الواقع وليس لها أي أساس من الصحة. وعلى الرغم مما قلنا، إلّا أننا يجب أن نبحث عن السبب الحقيقي حول امتناع الحكومة الإيرانية عن فرض الحجر الصحي على المحافظات الإيرانية في الوقت الذي تسجل فيه إيران ارتفاعاً حاداً في عدد الإصابات وعدد حالات الوفاة. السبب الحقيقي في إعتقادي ومن موقع المراقب للشؤون الإيرانية هو عدم قدرة الإقتصاد الإيراني على تأمين البلاد خلال عملية الحجر الصحي وكل ما تمّ ذكره أعلاه، ما هو إلا أسباب غير مباشرة لعدم فرض الحجر الصحي.
إنّ الإقتصاد الإيراني واجه العقوبات الأمريكية خلال سنوات عديدة، واتبع النظام الحاكم في إيران سياسات فعّالة للحد من تأثير العقوبات الأمريكية على الإقتصاد الإيراني، وبالفعل نجحت هذه السياسات وآتت أُكلها في الإستقرار النسبي الذي عاشه المواطن الإيراني خلال العام الفائت. لا بل تعالت أصوات عديدة لفصل الموازنة العامة وعدم اعتماد الإقتصاد الإيراني على عائدات النفط، نظرا للعقوبات الإقتصادية القاسية وسياسة الضغط بالحد الأقصى التي اتبعتها الإدارة الأمريكية ضد إيران. لعل هذه التوجهات جاءت بأوامر من “علي خامنئي”، ويبدو بأنها قراءة مبكرة لفقدان سوق النفط رونقه السابق. وهو بالفعل ما تحقق، حيث جاءت الموازنة الإيرانية للعام القادم ولأول مرة، بأدنى حد من إيرادات النفط (وهي نقطة إيجابية استغلها الإيرانيون أثناء مجابهتم لعقوبات غير مسبوقة). إلّا أن هذا الإقتصاد وقدراته كان قادراً على الإستجابة للظروف العادية، ومع ظهور فيروس كورونا المستجد وارتفاع أعداد حالات الإصابة وحالات الوفاة، بدى من الواضح أن إيران تعاني بحق، لتأمين المستلزمات الطبية التي يحتاجها الكادر الطبي الإيراني في المستشفيات، التي لم تعد قادرة على استيعاب أعداد جديدة. ولم تكن لديها القدرة على شراء هذه المستلزمات أو أجهزة الفحص، بسبب العقوبات الأمريكية التي جمّدت العديد من الأموال الإيرانية في الخارج، والتي تمنع أي بنك دولي من السماح لإيران بإجراء أي عملية بنكية أو عملية تحويل أموال، تحت طائلة درج هذه البنوك تحت العقوبات الأمريكية.
وسط كل هذه المعاناة التي يعيشها المواطن الإيراني من تأمين الحاجات الأساسية وتأمين الدواء، رفضت الإدارة الأمريكية طلبات متكررة من كل من روسيا والصين وإيران برفع هذه العقوبات الجائرة والتي ينعكس أثرها بشكل واضح على حياة المواطن الإيراني. من ناحية آخرى لم يتوانى ثلاثي الإدارة الأمريكية (ترامب، بومبيو وبرايان هوك) عن عزمهم على مواصلة سياسة الضغط بالحد الأقصى ضد إيران، وفرضهم لعقوبات جديدة شملت خمس شركات إماراتية تعاملت مع إيران في ظل هذه الظروف الحرجة. وإدعائاتهم الواهية التي تقول بأن العقوبات لا تشمل الأدوية أو التجهيزات الإنسانية، لإن هذا الخطاب هو استخفاف بعقولنا.
لقد حان الوقت بحق للقول بأن الإدارة الأمريكية تقود حرباً غير أخلاقية ضد إيران، تاركة خلفها كل المعايير الأخلاقية التي طالما إدّعت بأنها تدافع عنها بوصفها قائد العالم الحر. ويبدو بأن سياسات الرئيس ترامب تنبع من انسحاب الولايات المتحدة إلى خلف البحار ومحاربة الدول وشعوبها بسلاح الإقتصاد وفرض العقوبات.
لسنا ساذجين أبدا كي ندّعي بأن الدول جمعيات خيرية، أو أن السياسية ممزوجة بالأخلاق على مرّ التاريخ. ولكن ما يواجهه العالم اليوم هو خطر يهدد النوع البشري، وهو خطر لا يمكن التغلب عليه إلا بالتعاون والتنسيق. ومجرّد ادعاء الإدراة الأمريكية بأنها مستعدة لإرسال مساعدات إنسانية إلى إيران، في محاولة منها للمناروة على المطالبات التي تطالب الإدارة الأمريكية برفع العقوبات، ما هي إلا ذر الرماد في العيون وغير قادرة على إزالة وصمة العار التي تلاحق هذه الإدارة. فجميعنا يعلم بأن هذه المساعدات، هي مساعدات مشروطة بمطالب سياسية، تعتبرها إيران مطالب تمس أمنها القومي وهي غير مستعدة للركوع في سبيل الحصول على هذه المساعدات. بالطبع عند الحديث عن المطالب السياسية فنحن لا نقصد أبدا الإفراج عن المعتقلين السياسيين (الذين أفرجت عنهم السلطات الإيرانية في إجازة مشروطة وهي من أول الدول التي قامت بهذه الخطوة المهمة للغاية حيث أطلقت سراح عشرات الآلاف من المعتقلين بينهم معتقلين يعتبرون حالات خاصة ك”نازنين زاغري” و”رولان مارشال” وغیرهم الکثیر. وبالطبع نحن بدورنا نطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
وليس كما تفعل الإدارة الأمريكية من البحث عن أي معتقل أمريكي وإعادته إلى الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب إنتخابية للرئيس ترامب ابتداءً بالقس الأمريكي الذي أطلقت سراحه السلطات التركية وليس انتهاء بعامر الفاخوري) وإنما ما نقصده بالمطالب السياسية هي الملفات العالقة والتي تسعى الإدراة الأمريكية لتسويتها وتركيع إيران في هذه الظروف الحرجة.
بإختصار، إن اقتراح تقديم مساعدات طبية أمريكية إلى إيران، لا ينبع كما نرى، من نوايا حسنة. وإنما يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية يطمح لها الرئيس الأمريكي، بعد الإنتقادات الحادة التي يواجهها الرئيس الأمريكي في الداخل من الديمقراطيين ومن الشعب الأمريكي بتسبب الرئيس بفاجعة إنسانية وبفشل إدارته بالحيلولة دون دخول الفيروس إلى البلاد وإهماله في مكافحته ومنع انتشاره على نطاق واسع كما نرى اليوم. وهذه الادعاءات واهية كذلك من مبدأ بأن الولايات المتحدة اليوم تعاني من نقص حاد في الأجهزة التي تكشف فيروس كورونا، وتعاني من تأمين المستلزمات الطبية، فكيف لها أن تقترح تقديم المساعدات؟
إن مكافحة الفيروس لا يعتمد على تأمين الوسائل والتجهيزات الطبية فحسب؛ بل يتطلب ذلك أموالاً طائلة لفرض حالة الحجر الصحي على المحافظات الإيرانية، وتأمين مبالغ مالية كافية لدعم الناس الذين تدعوهم الحكومة للجلوس في بيوتهم (كما تفعل كل دول العالم). إيران أعلنت عن عن رفضها قبول (الإقتراح الأمريكي). وبالفعل لتبقى هذه المساعدات في الداخل الأمريكي لمساعدة المواطن الأمريكي. كل ما تطالب به إيران اليوم هو وقف العقوبات بحيث تستطيع مواجهة هذا الفيروس من أموالها الخاصة والتي جمدتها البنوك، وتسطيع بالتالي القيام بشراء ما تحتاجه من الأدوية والتجهيزات الطبية بدون مشاكل أثناء العمليات البنكية. ونحن بدورنا نقول بأنه يجب إيقاف العقوبات على كل الدول وليس فقط إيران نتيجة الظروف الصعبة التي تمرّ بها هذه الدول ولو بشكل مؤقت. وندعو الرئيس الأمريكي للتخلي عن هذه الحرب القذرة والاستماع للضمير الإنساني والأخلاقي، ولو بشكل مؤقت.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/03/24