بعد مرور 5 أعوام كيف ولماذا فشل التحالف السعودي في اليمن
طالب الحسني
أن تكتب عن مرور 5 أعوم على بدء ” عاصفة الحزم ” السعودية ” العربية ” الأمريكية التي أعلنت للحرب العدوانية على اليمن ، فأنت تكتب في صلب فشل هذه الحرب حتى مع صناعة واستنبات التبريرات لهذا الفشل وسواء كنت معها أو ضدها فنقطة اللقاء بين الفريقين هي التسليم بالنتيجة ، نقطة من أول السطر .
الحديث عن النهايات يسلتزم العودة إلى البدايات ، فهل كانت هذه الحرب ضرورية ! ولماذا ومباشرة خيار الحرب وليس خيار آخر ؟ في حين أنه كان هناك بدائل وخيارات كثيرة لتجنبها ، ومن يقول أنها كانت حتمية فهو جزء من الذين سوقوا خطأ للفكرة وهم حاليا ضمن من يبحثون عن التبريرات والنتيجة واحدة التسليم بالخطأ على أن ذلك لا يغير الواقع الحالي ولا حتى يؤثر عليه .
لقد كان إعلان الحرب من واشنطن ليلة الـ 26 من مارس 2015 بمثابة وضع الجميع في الداخل اليمني والمجتمع العربي والدولي أمام عملية اصطفاف سريعة لا تترك مجالا كافيا للدراسة والتدقيق وبالتالي الاستفادة من الآراء المختلفة ، ربما كان ذلك مقصودا سعوديا وامريكيا ، والدليل أن القائمة التي أعنلت حينها كشركاء ضمن التحالف ” العربي ” تضمن دول لم يتم التنسيق معها ولم يتم إشعارها من بين ذلك تركيا . الغرض من ذلك إحداث صدمة للمستهدفين من الحملة العسكرية في الداخل اليمني ، وهي أيضا إحدى الأدلة أن الجانب السعودي والأمريكي كانوا يعتقدون أن هذه الحرب ستكون خاطفة وسريعة وقد تنتهي حتى قبل أن تصل القوات ” العربية المشاركة ” إلى غرف العمليات والقواعد العسكرية في الخيلج وعلى جانب البحر الأحمر من الضفة الأفريقية في أرتيريا وجيبوتي والصومات ، حيث القواعد الأمريكية السعودية والإمارايتية والإسرائيلية .
المفارقة أن الصدمة حصلت في الطرف الداخلي ، أقصد حلفاء السعودية في اليمن ، فعبد ربه منصور هادي وفي واحدة من مقابلاته التلفزيونية قال أنه لم يكن على علم بهذا التدخل لكنه في النهاية وافق عليه ـ وبالتالي السعودية أفرزت من ذات نفسها حلفائها وأعدائها في نفس الوقت على اعتبار أن حلفائها في الداخل ستحركون عسكريا لإسقاط ما قالت أنه ” انقلاب ” على السلطة .
الملاحظ أن التحالف تلقى الضربة الأولي حين خرج مئات الآلاف من المواطنين في العاصمة صنعاء إلى ساحة باب اليمن صبيحة اليوم التالي للغارات الأولي للتعبير عن رفضهم لهذه الحرب ، لقد صنعت اصطفافا وطنيا غير مسبوق ومن لم يكن مؤيدا لثورة أنصار الله وحلفائهم أصبح من حينها مؤيدا لاعتبارات وطنية واستياءا من تدخل عسكري تقوده السعودية ومعها الولايات المتحدة الامريكية ، ومن هنا بدأنا نقول لماذا وكيف خسر التحالف هذه الحرب .
من هي السلطة التي تريد السعودية إعادتها ؟
لا يبدو أن السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وقيادة التحالف ناقشوا هذه الفكرة المهمة جدا والمفصلية وربما الأساسية في الداخل اليمني ـ فالسلطة التي تريد السعودية إعادتها بهذه العملية العسكرية القاسية والعدوانية لاتعني شيئا لملايين المواطنين فما تم تركيبه منذ 2012 عبر المبادرة الخليجية من سلطة لم تكن قد بنت علاقة جيدة بالموطنين في الشمال والجنوب والوسط ، لم تكن قد نجحت في استقطاب تأييد شعبي مطلقا فهي سلطة وليدة ولم يفهما الشعب بعد ، بما في ذلك شخص عبد ربه منصور هادي الذي ترشح وحيدا دون منافس في انتخابات شكلية ومن المهم هنا التذكير أنه لم يحصل على صوت واحد في المحافظات الجنوبية بسبب تنامي الحركة الإنفصالية ، وبالتالي من ستحركون على الأرض هم مجاميع حزبية مؤيدة في الغالب للإخوان المسلمين ، وآخرين تم تشكيلهم فيما بعد .
هذا العامل هو أحد العوامل الحاسمة التي أبقت التحالف مجرد طائرات تقصف وتقتل وتدمر ، في الأرض حركة عسكرية بسيطة جدا بيد أنه كان الرهان على هذه الحركة فالطيران هو غطاء جوي لمقاتلين يسيطرون ويعيدون المدن والمحافظات التي خسروها ، فالسعودية إذا بهذا المعنى كانت تجهل الواقع تماما او على الأقل لديها تقييم خاطئ وعكس نتائج حددت من اول وهلة ان التحالف ذاهب إلى الفشل .
الحضن العربي وإيران وإعلام الحملة العسكرية
لا أعلم إي مدى كانت السعودية والتحالف الذي تقوده كانت مقتنعة بأن تسويق فكرة إعادة اليمن إلى الحضن العربي وهزيمة ” إيران ” في اليمن كشعار للحملة العسكرية كان يطغوا اكثر من شعار إعادة ” الشرعية ” المزعومة سيكون مهما ويجب استقطابا مؤيدا للتحالف !
لقد صنع هذا العنوان للحملة العسكرية نتائج معاكسة فهو كان يؤكد مجددا أن المبررات السعودية للعدوان على البلد العربي الجار غير صحيحة وغير شرعية وغير مقبولة بل ومنفرة جدا ، فجميع اليمنيين لا يرون إيران وما يرونه هو أن بلدهم يقصف ويدمر أون السعودية ترتكب مذابح ، فأنصار الله جزء أصيل ورئيسي في هذه البلاد ولا أحد مستعد أن ينظر إليه كما تريد السعودية وأمريكا ، بالتالي كان من الصعب أيضا أن تفتح السعودية معسكرات لاستقطاب أشخاص ومقاتلين يندفعون لقتال إيران والقتال ” لعيون الحضن العربي ” فضلا عن تحريك مشاعر تيارات واجنحة سياسية يمنية في هذا القطار المختلق والمولد حديثا ، ولو أن مراكز الدراسات أجرت استطلاعا للرأي العام حول فكرة كم نسبة الذين يعادون إيران في اليمن لما وجدت رقما مهما تبني عليه السعودية والتحالف حملتها الإعلامية لتدخل عسكري يخنق بلد كان بحاجة إلى المساعدة للخروج من الأزمة وليس الدخول في حرب .
فإذا بلا شك أن السعودية لم تدرس جيدا الحملة الإعلامية التي سترافق عملياتها العسكرية ولم تضع في حسبانها أهمية للإعلام واستراتيجية صحيحة ففاقد الشي لا يعطية .
ومما يضع علامات استفهام كبيرة أين مراكز الدراسات الأمريكية وأين المخابرات أيضا وأين ذابت كل الجهود الاستخباراتية التي سلطت على اليمن طوال العقود الماضية ! هل ضللت السعودية ؟ ولكن امريكا نفسها رفعت شعارات مقاربة وسخيفة حين غزت العراق وأفغانستان ، فشعارات محاربة القاعدة وكذلك أسلحة الدمار الشامل التي رفعت لغزو البلدين لم تكن تعني شيئا للمواطنين ، مع القارق الكبير بين الحالتين فأمريكا لم تكن تنظر أن التأييد الشعبي مهما بينما التأييد الشعبي ” لحملة السعودية العسكرية ” في غاية الأهمية .
استخدام الحركة الإنفصالية جنوب اليمن
صحيح أن استخدام الحركة الإنفصالية جنوب اليمن واستقطاب الجناح الذي يريد فك الإرتباط وهو جناج كبير بالمناسبة ( اختلف الامر الآن وهكذا أعتقد ) نتيجة الأخطاء الماضية والتراكمية والشعور بالاضطهاد والنزعة نحو تحقيق الإنفصال ، حقق للتحالف أمرين :
التمكن من الدخول إلى هذه المحافظات بسبب الحاضنة الشعبية المؤيدة للانفصال وضعف التواجد العسكري والأمني والسياسي لأنصار الله في هذه المحافظات ، ومن المهم هنا ذكر واحد من العوامل المهمة التي سببت أن أنصار الله خسروا بعض أنصارهم في المحافظات الجنوبية اليمنية حدث على خلفية التحالف مع الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ، هذا الأخير كان بالنسبة لنسبة كبيرة من الجنوبيين خصما سياسيا منذ حرب صيف 94 مع وجود بعض المناصرين للإنصاف ، ولكن لم يكن هولاء المناصرين لصالح او لأنصار الله بالقدر الكافي للدفاع عن المحافظات الجنوبية وهذا ما ساهم في انسحاب الجيش واللجان الشعبية السريع وعدم المجازفة في بيئة شعبية على الأقل ليست مستعدة للدخول في حرب قوية وحاسمة ، مع العلم أن المعادلة التي تركبت حيهنا كونت فريقا جنوبيا سياسيا كبيرا أصطف مع انصار الله والمؤتمر الشعبي العام ولكنهم جميعا عادوا إلى صنعاء .
الأمر الآخر : أن السعودية والإمارات تمكنتا من تجييش الجنوبيين ” الإنفصاليين ” وفتح عشرات المعسكرات لهم في عدن وأبين وشبوة وحضرموت ولحج وإشراكهم في القتال مع التحالف .
ولكن كان التحالف بهذه الحالة يحدد النتائج التي سيحصل عليها ، وهوعمليا مع كل هذه النتائج في المحافظات الجنوبية بدأ يعمل ضد نفسه ، ويخلق اصطفافا شعبيا في كل المحافظات الشمالية مؤيدة للعاصمة صنعاء ، ( الشمال والوسط ) الكتلة الشعبية السكانية والحيوية الأكبر اعتمادا على عدد السكان وعدد المحافظات ، لقد توقف التمدد العسكري السعودي والإماراتي خلف حدود الشطرين في الدولة اليمنية ما قبل التوحد عام 90 ، التقدم خارج هذه الحدود محدود جدا بما في ذلك الساحل الغربي ، ومع استعادة الجيش واللجان الشعبية محافظة الجوف وتطويق محافظة مارب شرق اليمن يتضائل وجود التحالف وأدواته إلى أقل من 3% بالنسبة للشمال والوسط .
هذه الخارطة ترسم أيضا الفشل العسكري السعودي ، مع بقاء القدرة العملية للمجلس السياسي في العاصمة صنعاء العودة إلى كل المناطق التي دخل إليها التحالف متاحة ومسألة وقت لا أقل ولا أكثر .
الوقت وازمة قطر وتفكك التحالف
إن تأخر التحالف في الحسم العسكري أحد الأبواب لدخول عوامل جديدة ضاعفت من أزمة السعودية وغرقها في اليمن ، فطول الفترة التي أعقبت 26- مارس 2015 ساهمت في نشوء جماعات مسلحة متضاربة ومتعددة الولاءات وظهور صراع داخلي وصل إلى الإقتتال بين هذه الجماعات المسلحة منذ 2016 ، وبالتالي حصول تصدعات في حلفاء السعودية والتحالف وتبين العجز العسكري والسياسي والإعلامي للدرجة التي لم يتمكن عبدربة منصور هادي وحتى هذه اللحظة من العودة والإستقرار في أي منطقة من المناطق التي يتواجد فيها التحالف ، فضلا عن سقوط الخارطة التي تتواجد فيها القوات المحتلة في الاضطرابات الأمنية والشلل التام ، وازداد هذا التصدع على خلفية الأزمة السعودية القطرية وتحول قسم كبير من المؤيدين للسعودية إلى مؤيدين لقطر ، ووجد هولاء الطريق للخروج من الرياض باتجاه أنقرة وعواصم اوروبية مختلفة ، لقد تحولت الحرب الواحدة إلى حروب متعددة في ساحة التحالف العسكرية والسياسية وازداد هذا التباين مع تأييد الأمارات للمجلس الأنتقالي في عدن إعلان نفسه سلطة موازية في عدن في 2017 .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/03/28