انهيار سعر النفط لخام غرب تكساس
د. حسين البناء
انهارت هذه الليلة أسعار خام نفط غرب تكساس لتصل سعرا قياسيا وتاريخيا حول (37.45$-) للبرميل، في سابقة غير معهودة سابقا. في ذات الوقت الذي حافظ فيه خام برنت على (26.15$)، وهنا تجدر الإشارة إلى أن خام برنت هو السعر المرجعي لتعاقدات ثلثي التداول العالمي، بينما يعتبر خام غرب تكساس الخفيف سعرا مرجعيا بعد سعر خام برنت المرجعي وبعد سعر خام دبي المرجعي.
خام غرب تكساس (WTI) هو مؤشر سعري مرجعي للنفط المستخرج من تكساس خاصة، و شمال أميركا عامة،في سوق (NYMEX) للعقود الآجلة، في كوشينغ/أوكلاهوما، ويسمى “الخفيف” نظرا لانخفاض كثافته والتي تساعد على تصفيته ليكون مفضلا للبنزين/غازولين، و يسمى “الحلو” نظرا لنسبة السلفور فيه. بينما يعتبر خام برنت الأكثر تأشيرية لأسعار النفط العالمية والذي يفضل تصفيته لمشتق الديزل.
انهيار سعر خام غرب تكساس هو مؤشر على هبوط سوق الطاقة العالمي، ولكنه لا يؤشر على انهيار كلي لسعر الخام عموما، مثل خام برنت و خام دبي الذي ينزلق ببطء للأسفل.
هبوط أسعار النفط العالمية قابلة للتفسير، و انهيار خام غرب تكساس له متعلقات خاصة به، و التفسير يكون كالتالي:
بالنسبة لخام غرب تكساس، فإن تراجع الطلب العالمي جعل النفط غير المباع في مخازنه التي تقع في تكساس، وطاقتها الاستيعابية تراوح 7مليون برميل/يوميا، وبما أن الخام لم يتم تصريفه و بيعه نظرا لتراجع الطلب، فمن المكلف جدا الاستمرار بالاحتفاظ به في مستودعاته، لأن ذلك يشكل تكلفة عالية، ولأن ذلك يحرم المضاربين من (الفرصة الضائعة) التي سيفقدونها في حال تجميد أصولهم في سلعة غير رابحة وغير مباعة أصلا، فيكون الحل هو في بيعها بأي ثمن، حتى ولو اضطر المالك لدفع 37$ على البرميل للتخلص منه !
على أمل الدخول في صفقات و عقود الشهر القادم الذي يشتمل على هامش ربحية أفضل، بما أن القراءات تدلل على تحسن في الأسعار المستقبلية، أو أسعار أفضل للعقود الآجلة.
قد يبدو هذا غير منطقي، لكن هذا يشابه ما يحدث مع التاجر الذي يدفع لعامل بضعة دنانير لكي يقوم بإتلاف و رمي بعض البضائع التي تقادمت في ساحة الحجز الجمركي والتي سيستمر بدفع (رسوم أستئجار أرضية خزن) لها بما يكون مجموعة أكبر من قيمة البضاعة نفسها، أي أن كلفة خزن الأصول تفوق قيمتها، و تحرم المستثمر/المضارب من الاتجار بأصول جديدة قد تكون أكثر ربحية.
أما تفسير تراجع سعر النفط عالميا، فهذا عائد تحديدا لتراجع الطلب العالمي الناتج عن إغلاق معظم مصانع و شركات و مرافق الاقتصاد العالمي كطريقة لكبح تفشي وباء كورونا.
في المقابل، فإن المعروض، برغم قلته، هو أكبر من المطلوب في الأسواق، مما يقود مؤشر الأسعار للهبوط المستمر.
من جهة أخرى، فإن تفاهمات الساسة في أوبك و أوابك وما بين روسيا و السعودية تسير في طريق صعب، ويبدو أن ترمب شخصيا يتدخل في ترتيب تفاهم ما بينهم.
من جهة أكثر إثارة للتساؤلات، فإنه يبدو أن الجميع ينتظر انهيار إيران الكامل بعد تفشي الوباء فيها و بعد تراجع عوائد النفط على خزينتها المرهقة بالحصار.
بين هذا و ذاك، فإن سعر النفط لم و لن يكون يوما قضية اقتصادية قابلة للتحليل بمعزل عن الإرادة و الإدارة السياسية للاعبين الكبار، و سيدفع ثمن ذلك الأطراف الوسيطة، كوقود لحقول و مصافي النفط.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/04/22