هل يستطيع بن سلمان أن يسكت أصوات الجائعين؟
غسان الاستانبولي
تقول التجارب إن الفقر والجوع يولّدان الثورة، والسعودية تقترب من الفقر، وشعبها يقترب من الجوع، في ظلّ حروب عسكرية ونفطية عبثيّة.
من يستطيع إقناع بيرسي كوكس، الذي كان يُعتبر مهندس السياسة البريطانية في المنطقة العربيّة، بأن يخفض صوت قهقهته قليلاً، ليسمع صوت عرب الجزيرة، وهو يقول إن نجد والحجاز ستكونان لأحفاد الشريف حسين بن علي، لا لأحفاد مردخاي بن موشي الدونمي، الجد الأول للعائلة السعودية الحاكمة، بحسب الكثير من المؤرّخين!
لا نعرف على أيّ تاريخٍ يستند من يقول إن السعودية كانت في يومٍ من الأيام الأخت الكبرى التي تلمّ الشمل العربي، وإنها يجب أن تستعيد هذا الدور، لتكون سنداً لبقية الدول العربية.
ربّما هو التاريخ الذي يشيد بالموقف الجريء للملك فيصل بن عبد العزيز أثناء حرب تشرين في العام 1973، وإيعازه بخفض إنتاج النفط، ومنع تصديره إلى الغرب، دعماً للعرب، ولكن علينا ألّا ننسى أن حياة الملك فيصل كانت ثمناً لذلك. ولو استثنينا هذا الموقف للملك فيصل، لرأينا أن جميع الممارسات السعودية كانت تصبّ خارج المصلحة العربية، وهذه بعض الأمثلة:
· في بداية القرن العشرين، تآمر الملك السعودي المؤسّس عبد العزيز على الشريف حسين بن علي، الذي أعلن حرباً عربيّة لإخراج العثمانيين من بعض أجزاء الوطن العربي.
في ذلك الوقت، نصح عبد العزيز آل سعود الإنكليز بألّا يمدّوا الشريف حسين بأسبابٍ كافيةٍ للنصر، وأن يطيلوا أمد الحرب، لكي يضعف الجيش العربي، لتسهل إزاحة الشريف وتشكيل المملكة السعودية بوضعها الحالي، وهذا ما حصل، ولا سيّما بعد رفض الشريف حسين فرض الانتداب البريطاني على فلسطين.
ومن الثابت أنّ عبدالعزيز آل سعود بعث رسالة إلى بيرسي كوكسي يقول فيها: "نصيحتي أن تساعدوا الشريف بشكلٍ جزئيٍ لكي يبقى لدى الأتراك أملٌ في القضاء عليه، ويبقى هو أيضاً خائفاً من الأتراك. وهكذا سيصبح الأتراك محرجين جداً في الحجاز، وسيساعدكم هذا على عملكم في العراق وأماكن أخرى".
· ناصبت السعودية العداء للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، لأن سياساته كانت تصبّ في المصلحة العربية، متحدّياً الإرادة الغربية والإسرائيلية.
· موّلت صدّام حسين، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبقيّة دول الخليج العربي، ودفعته إلى محاربة إيران بعد تغيّر نظام الحكم فيها من نظامٍ حليفٍ لـ"إسرائيل" إلى نظامٍ معادٍ لها.
· عملت على تدمير عدّة بلدانٍ عربيةٍ، وكانت السبب في قتل مئات الآلاف من مواطني هذه البلدان.
· حاصرت كلّ الأحزاب والفصائل العربية المقاومة وحاربتها، بل وطلبت من "إسرائيل" ألّا توقف حربها على تلك الأحزاب والفصائل حتى القضاء عليها.
· مشت وأخذت معها معظم دول الخليج العربي إلى إنجاز ما يُسمّى "صفقة القرن" والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. والطريف في الأمر هو أن البعض يبرّر للسعودية تطبيعها مع "إسرائيل" بأنّها تحتاج إلى دعم اللوبي اليهودي في معظم دول العالم ومؤسّساته، وذلك بعد أن تراجع دورها وساءت سمعتها، في ظلّ نشاطٍ متصاعدٍ لبقيّة اللوبيات المعادية للسعودية، وكأنّ اللوبي الصهيوني يعيش أحلى أيامه، أو أن النجاح السعودي هو أحد أبرز اهتمامات هذا اللّوبي.
· تآمرت وناصبت العداء لكلّ من يعادي "إسرائيل"، وكلّ من يقاوم المشروع الأميركي في المنطقة، وغير ذلك الكثير من الأخطاء والخطايا.
اللافت للنظر في العقود الماضية من عمر السعودية، هو وجود نمطٍ يعمل عليه جميع الفاعلين في الشأن السعودي، سواء كانوا من الدول الغربية أو من العائلة الحاكمة.
ويقوم هذا النمط على سرقة الخيرات السعودية بوتيرةٍ هادئةٍ وبطيئةٍ بعض الشيء، بحيث يولّد استمراراً في جريان هذا النهر، ولكن خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً خلال وجود ترامب في البيت الأبيض، ازدادت وتيرة النهب الأميركي والغربي.
وما يسهّل هذا النهب المنظّم هو وجود طرفين، أحدهما يأخذ بلا حدودٍ، والآخر لا يمانع أن يعطي بلا حدودٍ. ولعل الاختلاف على وتيرة السرقة هو أهمّ أسباب اعتراض بقيّة الأمراء، وبالتالي اعتقالهم ومصادرة بعض أملاكهم.
في كلّ الأحوال، تقول التجارب إن الفقر والجوع يولّدان الثورة، والسعودية تقترب من الفقر، وشعبها يقترب من الجوع، في ظلّ حروب عسكرية ونفطية عبثيّة. وما يزيد الأمر سوءاً هو توقّف السياحة الدينية، وتفشّي وباء كورونا الذي ينتشر بصمتٍ بعيداً من الإعلام، فإذا استطاع وليّ العهد أن يزجّ بعض أمراء العائلة الحاكمة في السجون، فهل يستطيع، ومهما بلغ من وحشيّة القمع، أن يسكت أصوات الجائعين؟
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/05/03