هل اقترب ربيع العلاقات الأمريكية-السعودية من الإنتهاء؟
د. محمود البازي
إنّ التدخل الأمريكي المباشر في دول الشرق الأوسط تحت غطاء ما يسمى الهيمنة الليبرالية (liberal hegemony)، كان لغاية البقاء في هذه المنطقة على مدى عقود مضت. هذا التدخل لم يُنتج دولاً فاشلة في الشرق الأسوط فحسب؛ بل دفع بقيادات متهورة إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة كالرئيس دونالد ترامب؛ نظرا لإن الجمهور الأمريكي قد سأم من التكاليف الباهضة التي تدفعها الولايات المتحدة وفقدان العديد من العائلات الأمريكية لأرواح أبنائها على أراضٍ تبعد عن الولايات المتحدة آلاف الكيلومترات. ولعلنا نستطيع الجزم بأن وصول الرئيس ترامب إلى الرئاسة الأمريكية كان نتيجة لهذا السقم الشعبي من هذه السياسات المغلوطة. والخداع الذي مارسته العديد من الإدارات الأمريكية السابقة هو الذي دفع بنا للوصول إلى هذه المرحلة الخطيرة للغاية. فالغاية التي تعلنها الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي نشر الليبرالية والحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط (ولو على أفواه الدبابات). ولكن الواقع التاريخي وقراءته بتأن يشير إلى أن التدخلات الأمريكية كانت تهدف لتحقيق أهداف عديدة على فترات زمنية طويلة.
يمكن تقسيم الأهداف الحقيقية وراء الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط إلى:
1) النفط، بشكل قاطع يمكن القول إن من أهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لدفع الغالي والنفيس للبقاء في هذه المنطقة هو مصادر الطاقة وخصوصا النفط. فهي خاضت حروباً للحصول على هذه المواد الحيوية قبل اكتشاف النفط الصخري الأمريكي؛
2) الخوف من ظهور قوى عالمية منافسة في الشرق الأوسط والإخلال بموازين القوى والسيطرة، وتعزز هذا الهدف بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة؛
3) حماية أمن اسرائيل، وهي مهمة ووظيفة قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
بعد طرح الأسباب المهمة التي جعلت الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا ومنخرط في الصراع في الشرق الأوسط، علينا أن نذّكر بأن هذا الدور اليوم أصبح محل تشكيك في الأوساط الشعبية والإعلامية الأمريكية خصوصا بعد انهيار أسعار النفط الأمريكي نتيجة المنافسة والمغامرة التي خاضتها كل من السعودية وروسيا. وبدأت الأوساط البحثية في الولايات المتحدة تذهب إلى أبعد من ذلك وتتحدث عن جدوى العلاقات الأمريكية-السعودية، وما إذا كان تاريخ هذه العلاقات قارب إلى الإنتهاء.
إن تحقيق الأهداف الثلاثة السابق ذكرها كان يستلزم من الولايات المتحدة البحث عن وكلاء محليين قادرين على تحقيق هذه الأهداف ويستطيعون في الوقت ذاته دفع تكاليف هذه التدخلات. وفي مهمة البحث عن الوكلاء، وجدت الولايات المتحدة في السعودية حليفاً مهماً يمكن الإعتماء عليه. ولذلك بدأت هذه العلاقات مع الدولة التي تتمتع ببعد جيو-سياسي مهم في المنقطة، وهي دولة حديثة التأسيس خصوصا بعد وصول عائلة آل سعود إلى سدة الحكم ومحاولاتهم تثبيت حكمهم المتزعزع. ولذلك قامت هذه العلاقة على أسس الحماية مقابل النفط، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية 1945 بحسب ما يذكره (كيث جونسون وروبر غرامر) لمجلة فورين بوليسي. تطورّت هذه العلاقة أكثر فأكثر بعد الثورة الإسلامية في إيران، بحيث أصبحت السعودية الوكيل المفضّل للولايات المتحدة خصوصا بعد تبنّي إيران إيديولوجيا إسلامية معادية لإسرائيل والولايات المتحدة، وبذلك تعززت العلاقة أكثر مع نشوب الحرب الإيرانية- العراقية والدعم الأمريكي-السعودي للرئيس العراقي السابق صدام حسين. ومع دخول السوفيت على خط المواجهة في أفغانستان. مرة آخرى أظهرت السعودية نفسها كلاعب مهم في المنطقة وأظهرت قدرتها على تغيير موازين القوى وذلك من خلال تفعيل دعاية إعلامية، ودعم مادي غير مسبوق لدعم ما سمّي “المجاهدين العرب في أفغانستان”. وانتهى هذا التعاون بين السعودية-الولايات المتحدة-المجاهدين، بإخراج القوات السوفيتية من أفغانستان وإنهيار الإتحاد السوفيتي.
على مدى السنوات الممتدة من 1945 إلى 2001 تم تحقيق الهدفين الأوليين وهما تأمين تدفق النفط وقمع محاولات ظهور منافس دولي للولايات المتحدة في المنطقة. ولتحقيق حماية أمن اسرائيل، وهو الهدف الثالث، سعت الولايات المتحدة إلى الضغط على الحليف السعودي في أي خطوة تقوم بها لدعم اسرائيل. وشيئا فشيئا بدأت السعودية تفقد بوصلتها وريادتها بشأن القضية الفلسطينية إلى أن تخلّت عنها تماما بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. بحيث بدأ دعمها للتطبيع مع اسرائيل ودعمها غير العلني ل”صفقة القرن”.
لا نستطيع إنكار أن العلاقات الأمريكية-السعودية شهدت مطبّات وعقبات خلال تاريخها. لعل أبرز هذه المحطات هي: قطع النفط السعودي عام 1973 على يد الملك فيصل، أو أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 التي قام بها “جهاديون” أغلبهم سعوديون، وتأزم العلاقات بعد توقيع الإتفاق النوووي الإيراني بين إدارة أوباما والإيرانيين وعدم حضور السعوديين أو حتى مشاورتهم قبل توقيع هذا الإتفاق.
لكنّ يجب القول بأن هذه العلاقات نجت بسبب المصالح المشتركة ومحاولة الحفاظ على تدفق النفط السعودي.
مع ظهور الثورة النفطية الأمريكية والإحتياطي الهائل الذي تمتلكه الولايات المتحدة من هذا النفط، بدأ الحديث عن التخلي عن النفط السعودي. ولكن بسبب أن الولايات المتحدة هي مصدّر ومنتج للنفط في آن واحد، فضل الرئيس ترامب الحفاظ على هذا المصدر من الدعم. إن تسمية محمد بن سلمان كولي للعهد اعتبر نقطة تحول تاريخية في العلاقات الأمريكية-السعودية. فالشاب المندفع والمتهور حوّل ترامب وكوشنر (بسبب العلاقات التي تربطهما ببعض والمصالح الشخصية)، إلى وكالات عامة لتلميع صورته في الأوساط الأمريكية وإنقاذه مرّات ومرّات. فترامب وحده الذي كان قادرا على تجاهل تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية التي أفادت بأن بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي وهو المسؤول المباشر عن هذه العملية. وترامب وحده من كان قادرا على الحيلولة دون تمرير قوانين ضد السعودية تدينها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتقال الأمراء السعوديين وحرب اليمن وخطف رئيس الوزراء اللبناني وحصار قطر و…إلخ. لكن أن يصل هذا التهور إلى الإضرار بمصالح ترامب نفسه وتهديد حظوظه الإنتخابية فهو أمرُ غير مقبول ولا يمكن تجاهله.
إنّ اللعبة المتهورة التي خاضها بن سلمان ضد روسيا وإغراق الأسواق النفطية ساهم بخفض قيمة برميل النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ. وهذا الإنهيار انعكس مباشرة على الإقتصاد الأمريكي وعلى الرئيس ترامب. وإذا ماكان الديمقراطيون مستاءون من السعودية منذ سنوات فاليوم انضم إليهم الجمهوريون وبدأت ملامح قطيعة تلوح في الأفق.
فهاهو السيناتور الجمهوري “كيفن كريمر” عن ولاية “نورث داكوتا”، وهو المسؤول عن إعداد تشريع لإخراج القوات الأمريكية من السعودية يقول لصحيفة “فورين بوليسي”: هذه ليست الطريقة التي يتصرف بها الأصدقاء تجاه بعضهم البعض. لقد أخطأ السعوديون في تقييم رد فعل الولايات المتحدة على ذلك بشكل فاضح.
ينتظر السعوديون امتحانات صعبة للغاية خلال السبع أشهر القادمة، أول هذه الإمتحانات هي محاولات الجمهوريون تمرير قوانين ضد السعودية ومعاقبتها بل وفرض عقوبات عليها؛ الإمتحان الثاني هو فكرة تخلي ترامب نهائيا عن السعودية وهو يدرس حاليا سبل معاقبة السعودية على تهورها وتتراوح خياراته بين فرض رسوم على النفط السعودي أو إقرار مشروع “نوبك” الذي يسمح بمصادرة أصول وأموال سعودية في كافة أنحاء العالم ومصادرة أصول وأموال شركة أرامكو؛ وعلى ما يبدو بأن أخطر امتحان ستخوضه السعودية هو امتحان “نوفمبر”، حيث ستقام الإنتخابات الأمريكية، وفي حال فوز “بايدن”، فالعلاقات ستهوي إلى الحظيظ، وسيتوقف الغطاء الشرعي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة للسعودية بشكل نهائي.
فهل لدى السعودية بدائل وخطط احتيطاية؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/05/07