إضفاء المشروعيّة على التطبيع لتسهيل تصفية القضيّة الفلسطينيّة
رامز مصطفى
في كلمة له أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية قال رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو: «قمنا… بزيارة مؤثرة إلى رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان)»، والسودان «استضافت مؤتمر الخرطوم الذي حدد «اللاءات الثلاث ضد إسرائيل.. ونقوم بعملية تطبيع مسرعة معها»!.
إعلان نتنياهو يكشف عن مسار تصاعدي لعمليات التطبيع، وهذا تحدٍّ يفرض علينا جميعاً الانحراط في مواجهة التطبيع صوناً لقضيتنا وقضايا العالم العربي، وقد بات لزاماً ونحن نتحدث عن التطبيع وسياقاته منذ «كامب ديفيد» 1979، و«أوسلو» 1993، و«وادي عربة» 1994، وسبل مواجهة التطبيع، أن نضع آليات واضحة تمكننا من وأد عمليات ومسارات التطبيع.
إنّ مواجهة التطبيع تستدعي تضافر كل الجهود وتحشيد كل الطاقات، وهذه المواجهة ليست سهلة خصوصاً في ظل تسابق بعض الأنظمة العربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني كسباً لود الولايات المتحدة!
لقد بلغت عمليات التطبيع، منذ بدء ما سُمّي بـ «الربيع العربي»، مستويات غير مسبوقة وفي المجالات كافة، بما فيها التعاون الاستخباري والعسكري، ومشاركة الحاخام الأكبر للكيان الصهيوني «شلومو عمار» بـ»مؤتمر حوار الأديان»، في كانون الأول 2019 في البحرين، إلى جانب رجال دين من مصر ولبنان والأردن والكويت.
إنّ تآكل مركزية القضية الفلسطينية كعنوان استراتيجي في الصراع العربي الصهيوني، هو نتيجة تعمّد النظام الرسمي العربي في أغلبيته، استبداله بالصراع بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، بهدف استبعاد الصراع من قائمة أولويات سياسات الأنظمة العربية. ويجد المطبّعون مساحة من التسويق للتطبيع العربي مع العدو الصهيوني، في الدفع المُتعمّد إلى إبراز التهديدات المفترضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الواجهة. والعمل على بذل الجهود لتلك الأنظمة في إيجاد وخلق شراكة عربية مع كيان الاحتلال ، تحت ذريعة ما أسموه مواجهة الخطر الإيراني المتنامي في المنطقة.
واضح أن الكيان الصهيوني يعوّل على التطبيع لشرعنة احتلاله، وأنّ حكومات العدو، وتحديداً في عهد نتنياهو تجزم أن تعاوناً على المستوى الاستراتيجي، متعدد الأشكال الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والرياضية… الخ، يحقق لهم فك العزلة عن الكيان. عزلة لم يتمكن من تجاوزها، على الرغم من تحقيقه اختراقات تطبيعية ليست بسيطة، وذلك لأن الوجدان الجمعي للأمة يرى في الكيان الصهيوني عدواً يغتصب أرض فلسطين.
وعلى الرغم من التراجع الذي تعانيه القضية الفلسطينية بسبب «أوسلو»، والانقسام الفلسطيني، وبسبب الانجراف المُدان للأنظمة نحو التطبيع، فإن الشعوب العربية، لا سيما في مصر والأردن وحتى في دول الخليج، هذه الشعوب لن تتغير نظرتها ومواقفها من الكيان الصهيوني وجرائمه، ولن تتراجع عن نصرة الحق الفلسطيني. وما ينطبق على الأشقاء في مصر والأردن والخليج، ينطبق على كل شعوب أمتنا الرافضة لهذا الكيان الهجين. وهو ينطبق أولاً على الفلسطينيين عموماً، لا سيما في مناطق فلسطين المحتلة العام 1948، الذين وبعد مرور 72 عاماً على الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، ورغم كل سياسات العدو لتذويبهم، تمسكوا بهويتهم وهم اليوم يمثلون الشوكة في حلق الكيان، غير القادر على دمجهم، ولا على طردهم.
إنّ كل محاولات إضفاء المشروعية على التطبيع، والقول بأنه يخدم التسوية السياسية ويُؤثر في سياسات الكيان ومن خلفه سياسات الإدارة الأميركية، تكذبها الوقائع الدامغة. فالكيان الصهيوني والولايات المتحدة يوظفان التطبيع بهدف تصفية القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية عبر مقصلة «صفقة القرن»، التي يجري تطبيقها العملي على أرض الواقع، وما عمليات الضم المقبلة إلاّ فصل من فصول تلك الصفقة، التي كانت باكورتها الاعتراف الترامبي بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/05/11