لماذا سحبت أمريكا منصّتي باتريوت وطائرات و300 جندي من السعودية!
د. محجوب احمد قاهري
يبدو بانّ نهاية الحرب على اليمن باتت وشيكة. وما سحب أمريكا لمنصّتي باتريوت وطائرات وجنود من السعودية الا البداية. أمريكا فتحت بابا للسعوديّة لتنهي هذه المأساة الظالمة وتحفظ ماء وجهها بعد خسائرها اللامتناهية، وعلى السعودية ان تنهيها.
في البدء لا يجب ان ننسى بانّ وجود الأسلحة الامريكيّة المسحوبة هو بالأساس على علاقة بالحرب على اليمن. السعودية وامريكا احتاجتا حماية النفط بعد احداث سبتمبر 2019 التي هاجمت فيها القوات الحوثية، بشكل غير مسبوق، منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو، باستعمال صورايخ باليستية وطائرات مسيّرة. فأحدثت فيها تدميرا هائلا، مما أضرّ حتما بمصالح الدولتين الامريكيّة والسعوديّة وارعبهما. فجاءت الأسلحة على جناح السرعة، منصّتي باتريوت و300 جنديا وطائرات.
وإذا كان وجود هذه الأسلحة بسبب الحرب على اليمن فلن يكون سحبها الا مرتبطا بها، فلن يقدر أيّ أحد على تهديد النفط السعودي سوى سلاح الحوثيين، كردّ فعل على المجازر التي تحدث على ارض اليمن.
ومن الملاحظ بانّ هناك تغييرات تحدث حاليّا من الجانبين السّعودي والأمريكي تجاه الوضع القائم، وارجّح بانّها تشير الى تغييرات جذرية في مسار الحرب، المسلّطة على اليمن من خارجه، وتؤسّس الى بدايات نهايتها.
فليس من الحكمة ان نعتقد بانّ السعوديّة تودّ مواصلة الحرب على اليمن ثم تتخلّص بكل سهولة من الخطّ العسكري الأوّل للمواجهة. فالسعودية أوقفت عمل جنودا يمنيين، تابعين للواءات الثلاث، ثالث عروبة وثالث عاصفة وثالث حرس حدود، وهم يمنيّون كانت تستعملهم خطّ مواجهة ضدّ الحوثيين على محوري حرض وصعدة في الحدّ الجنوبي للسعودية، واعادتهم الى بلدهم. قطعت عنهم السعودية رواتبهم منذ أكتوبر 2019، وهو ما يعني بانّ فكرة التخلّص منهم ابتدأت فعليّا، على الأقل، منذ هذا التوقيت، أي قبل جائحة كورونا وحرب النفط العالمي الاخيرة. ولا نعتقد بانّ نوايا من أراد ان يواصل حربا ان يتخلّص من جنوده، اثناء الحرب، ليخلي، فجأة، اغلب الحدود الجنوبيّة امام العدوّ. فلو كانت نيّة السعوديّة ادامة الحرب ومواصلتها لأبقت على هؤلاء المقاتلين، باعتبار انّهم، في الأوّل والأخير، خسائر بشرية يمنيّة صرفه.
ومن ناحية ثانية، يبدو بانّ أمريكا مطمئنة وهي تغادر السعودية، بأسلحتها المذكورة، على مسار حرب اليمن. والاّ كيف نصدّق ما ذهبت اليه صحيفة وول ستريت جورنال من انّ “البنتاغون اتّخذ خطوات سحب هذه الأسلحة من السعوديّة بناء على تقديرات المسؤولين بانّ طهران لم تعد تشكّل تهديدا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة”، فهل انّ أمريكا أمنت بطش إيران، في السعودية ولم تأمنه في العراق، فنقلت اليه السلاح؟ طمأنينة أمريكا ورحيلها عن حماية النفط السعودي تعني بانّها على علم، او لديها ضمانات، بانّ مواقع النفط لن تهاجم مرّة أخرى، ولن يكون ذلك الا في إطار كبير يرتبط بإنهاء هذه الحرب الظالمة.
ومن زاوية أخرى، يذهب البعض الى انّ أمريكا سحبت ترسانتها العسكرية كعقوبة للسعوديّة على حربها النفطية التّي شنّتها على العالم، فكان الحليف الأمريكي أكبر المتضرّرين فيها. وقد استند هؤلاء على فحوى المكالمة الشهيرة التي حدثت يوم 2 أفريل بين ترامب ووليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. وحسب “رويترز” فان ترامب قال لوليّ العهد، اثناء المكالمة، “ما لم تبدأ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في خفض الإنتاج، فإنّه سيكون عاجزاً عن منع المشرّعين الأميركيين من تمرير تشريع لسحب القوات الأميركية من المملكة”. وها قد بدأت الإجراءات الميدانية.
الاّ انّ هذا الرأي لا يمكن القبول به على اطلاقه. بالحساب والمنطق، لا يُمكن للولايات المتّحدة الأمريكيّة، حاليّا، ان تتخلّى عن السعوديّة، هذا من سابع المستحيلات. لا يُمكن لأمريكا ان تتخلّى عن كنزها الاستراتيجي، المالي والطاقي والجيوسياسي الذّي يمنحها التواجد في المنصّات الخلفيّة لإيران والصين وروسيا. وهو ما يشير كذلك بانّ ما قامت به أمريكا مؤخّرا من سحبها لمنصّات الباتريوت والطائرات والجنود من السعوديّة لا يمكن ان يكون بسبب التخلّي عن هذه الدولة “الكنز”. لن تترك أمريكا السعوديّة لروسيا والصين حتى لو ارادت السعودية.
وللأسف فانّ لهذه الحرب العبثية المدمرة وجهين، وجه خارجي ووجه داخلي. الوجه الخارجي هو الاعتداء اليومي الذي تمارسه السعودية وحلفائها على اهل اليمن منذ 2015. واما الوجه الداخلي وهو الأخطر، وهو معظمه من نتائج العدوان الخارجي، يتمثل في زرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد. سيتوقّف الأوّل، ويتواصل الثاني، لتستمر معاناة أبناء اليمن من داخلها.
في المحصلة، حرب اليمن التي تشنّها السعودية وحلفاؤها ستنتهي، ولن يطول وقت اعلان نهايتها. وما سلوكيّات أمريكا والسعودية الأخيرة الا مؤشرات على ذلك.
الا ان انتهاء العدوان الخارجي على اليمن سيفتح باب الاقتتال الداخلي بين الفرقاء، على مصراعيه، فقد زرعت قوات التحالف كل بذور الفتنة والانشقاق. ولعلّ اليمن لن يكون موحّدا مستقبلا!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/05/11