العام 2020 هو عام خروج القوات الامريكية من العراق طوعا
كمال خلف
هدأ ملف العراق نسبيا مع مرور حكومة “مصطفى الكاظمي” في البرلمان، وتراجعت حدة التهديدات المتبادلة بين فصائل المقاومة العراقية والإدارة الأمريكية، بعد أن أعدت الفصائل العدة لمعركة طاحنة مع القوات الأمريكية ، تنتهي حسب الخطط الموضوعة بخروج ذليل للجنود الأمريكيين، مع إستثمار محكم للشهور المتبقية لموعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث تضيق على الرئيس الأمريكي خيارات إطلاق القوة العسكرية، ويكون مقتل كل جندي أمريكي على أرض العراق خطوة إضافية باتجاه خسارة دونالد ترامب لفرصة تولي الإدارة لولاية ثانية.
وتفادت الإدارة الامريكية هذا السيناريو، فبعد أن وضع مستشارو الرئيس الأمريكي أمامه خطط عسكرية كارثية في جوهرها تنفيذ هجمات شاملة على كافة مراكز ومواقع الفصائل العراقية دفعة واحدة، أو استهداف قادة الفصائل وتصفية من يمكن اصطياده ليتراجع القادة الآخرون . خرجت أصوات من جنرالات البنتاغون تحذر من مثل هذا السيناريو واعتبرت بأنه ينطوي على مخاطر كبيرة، و بدلا من الذهاب إلى التصعيد الكبير والخطير، ذهبت الأطراف إلى تسوية متوازنة أفضت إلى تشكيل حكومة عراقية بشبه إجماع داخلي، وتوقفت طبول المعركة لصالح الاستقرار والتهدئة، ولكن لماذا جنحت الأطراف إلى السلم والهدوء، وما الذي تغير؟
الجواب قد يكون له علاقة بالوجود الأمريكي على أرض العراق، نعتقد ونرجح أن الإدارة الأمريكية ابلغت كافة الأطراف المعنية بملف العراق ومنها إيران أنها ستخرج من العراق بدون قتال، وأنها ستسحب جزءا مهما ومعتبرا من عدد القوات خارج البلاد، ونتوقع أن يتم ذلك قبل نهاية العام الحالي، ونتوقع كذلك أن ما سمته الولايات المتحدة بالحوار الاستراتيجي بينها وبين الحكومة العراقية هو ليس إلا مفاوضات لترتيبات الخروج والوصول إلى اتفاقية ثانية مع العراق تحاكي الاتفاقية الأمنية الموقعة عام 2009. ويبدو أن هذه المفاوضات ستنطلق بشكل عاجل ، اعتمادا على أن أولى قرارات السيد الكاظمي هي تشكيل لجنة من أجل إطلاق هذا الحوار، استكمالا لطلب سبق وقدمه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي قبل أيام من مغادرته المنصب
أي أن العام 2020 لن ينته قبل تعلن الإدارة الأمريكية سحب قواتها المقاتلة من العراق والإبقاء على دور استشاري او شبيه بالاشراف على التدريب وذلك سيكون كله مبنيا على شكل وكيفية الاتفاق ونقاط القوة بيد المفاوضين. ولعل هذا هو السبب وراء تذليل كافة العقبات أمام حكومة الكاظمي ، ومباركة إيران والولايات المتحدة هذه الحكومة والاستعداد التام للتعاون معها . ولكن ماهي تفاصيل ذلك وكيف سيتم ومآلاته يبقى عصيا على التوقع أو التصور.
قد يكون خروج القوات الامريكية او لنقل الجزء الاكبر منها مع الحراك الشعبي الصادق فرصة لولادة عراق جديد وبداية تعافي بلاد الرافدين، ونجزم أن حدود ما تريده إيران من العراق هو حماية امنها القومي وان لا يكون العراق في المعسكر المعادي لها، خلا ذلك اتهامات في سياق الدعاية ضد إيران في إطار الصراع بينها وبين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لكن ايران بذات الوقت تتمدد نفوذا يحسب لها بحجم حلفائها في العراق وهو ما نرى فيه ضرورة تفرض إعادة هؤلاء الحلفاء لتقييم المرحلة السابقة التي كان دورهم فيها هو الأساس
وعلى عكس ما تذهب اليه بعض النخبة العراقية الشيعية في صالوناتها المغلقة من جلد للذات بأن رجال السياسية الشيعة لا يمتلكون خبرة أهل الحكم ورجال الدولة . وإن العراق في عهدهم لم يشهد سوى الفساد والدمار والخراب . نعتقد أن هذا ليس السبب الحقيقي لحالة العراق ما بعد الغزو الأمريكي له عام 2003، لأن أهل الحكم والادارة والعلم والكفاءة في تاريخ العراق لم يكونوا من طائفة واحدة ، أو عرق واحد في بلد يمكن أن يتحول فيه هذا التنوع إلى نعمة وقوة بدلا من المحاصصة ضيقة الأفق .
وان كان صدام حسين قد قرب إليه أفرادا من عائلته وعشيرته وسلم بعضهم مناصب، إلا أن إدارة البلاد والمؤسسات وقطاعات الدولة في عهده والعهود التي سبقته كانت من رجالات العراق كافة بكل طوائفه، وهؤلاء قادرون على النهوض بالعراق مرة أخرى، عبر عملية إصلاح سياسي وإداري واقتصادي قائم على هيبة الدولة ومركزيتها، وكما أننا نسلم بشرعية المقاومة العراقية ضد المحتل والإرهاب ونقدر ونحترم ما قدمته منذ احتلال العراق وصولا إلى معركة القضاء على الإرهاب الداعشي، إلا أننا كذلك نؤمن أن قوة الدولة العراقية ومؤسساتها هي الضمانة لكل ابناء العراق وهي من سيجعل العراق صاحب مكانة عليا يستحقها. ولعلي أذكر هنا بالنشيد الوطني الرسمي للعراق والذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في بيروت والذي يقول في متن أبياته ” لا نريد ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا .. لا نريد بل نعيد مجدنا التليد “
حما الله العراق العظيم .
جريدة الرأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/05/14