في الماء الناس شركاء
مرزوق بن تنباك ..
الضجة الكبيرة منذ أسابيع التي أعقبت رفع فواتير ماء الشرب لها أبعاد كثيرة يجب ألا تمر سريعا على أي حال تكون النتيجة، سواء كانت لمصلحة وزارة الكهرباء والماء وشركة المياه الوطنية وهما الجهتان المسؤولتان عن الماء صناعة وإدارة وتدبيرا أو مصلحة المستفيدين من خدمة هاتين الجهتين من المواطنين ومن المقيمين. الدراسة التي أدعو لها ليست لرصد الفعل ورده بين المتخاصمين ولكنها دراسة لما هو أبعد من ذلك وهو موقف الناس المتضررين من رفع التسعيرة وكيف كانت الرؤية بين الطرفين المختلفين عندما احتج الناس وأصرت الوزارة على رأيها، والالتفات وتقويم ما حدث من امتعاض غير مسبوق والاستفادة مستقبلا من الرصد الصحيح والطبيعي لرد فعل الناس عندما يواجهون بمثل ما حدث من الوزارة والشركة وأخذ الدروس الممكنة لما سوف يحدث لو احتاج الأمر إلى ما هو أبعد من تسعيرة سلعة واحدة كان ارتفاع تكلفتها مفاجئا للمجتمع.
أولا من المعروف أن الماء ليس سلعة تباع وتقوم بالتكاليف إنما هو من المشاع بين الناس لا يصح بيعه ولا الاتجار به وإنما تكون الحاجة إلى تأمينه مصلحة عامة والدولة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تأمينه حتى وإن طلب من الجميع المشاركة في التكاليف بوضع رسوم معقولة، وتقدير القيمة يجب ألا يبالغ فيه باعتبار حساب التكلفة لأن ذلك يضر الناس العاديين وتأمين السقيا حق لهم مع أن ذلك لا يمنع أن تحصل الرسوم المعقولة التي تحقق الانتفاع لمصلحة العامة ولا يضار فيها أحد ومن المؤكد أن تقدير تكلفة الإنتاج سواء كان بالطرق القديمة والتقليدية أو في الطرق الحديثة التي تستعمل في أكثر بلاد العالم، تقدر الرسوم بدون اعتبار التكلفة على المواطنين بل باعتبار التفاوت في الوضع المالي لهم.
ثانيا الدرس الأهم هو الرد القوي من كل شرائح المجتمع ورفع الصوت والاعتراض من الناس وهو أمر في غاية الأهمية للذين تهمهم ردود الأفعال عندما يحدث أي شيء يلامس مصالحهم ويمس ما كانوا يظنونه مكتسبات لهم حققها التوافق القديم أو ما نسميه العرف الجاري وهو أن المجتمع على مدى تاريخه الحديث لم يعتد مثل هذه المواجهة التي أخذت منه ما يظنه بعض مكتسباته حيث يصعب عليه التنازل عنها أو حتى التضحية بها ولو موقتا مع متطلبات الظروف الجديدة والطارئة التي ستنتهي على خير إن شاء الله.
ثالثا التسعيرة لم يعد لها إعدادا مقبولا وجيدا ومحترزا لرد فعل الناس من الجهات التنفيذية ولم تعبأ الوزارة ولا الشركة بما قد يترتب على الفعل الذي قد يحدث، ولم تقم قبل الإقدام على ما أقدمت عليه بتوعية كافية وبتوضيح يجعل المواطنين والمقيمين ومن تقدم لهم الخدمة على علم وبيان بكل ما تريد الوزارة عمله، ذلك أتى نتيجة لسببين عدم تقدير المسؤولين لردود الأفعال وعدم توقعها ما حدث فعلا، وهذا خطأ لتقدير للعواقب ذلك أن تغييب الرأي العام عن المشاركة الفاعلة فيما يمس مصالح الناس لم يعد مناسبا اليوم ويجب أن يحسب له الموظفون التنفيذيون أو بعض التنفيذيين حسابا فيما يقدمون عليه، ولأن الأمر يتغير وما كان مقبولا قبل سنوات ولجيل مضى من الناس لم يعد صالحا للجيل الحاضر ولا مقبولا منه وكان بالإمكان استشعار الرأي العام قبل الإقدام على هذه الخطوة غير المتوقعة.
رابعا ظهر أن المسؤولين في الشركة والوزارة غير قادرين على مواجهة الجمهور بحجة مقنعة لما أقدما عليه دون تهيئة له ودون إعداد جيد وحجة مقبولة وينقصهم التصرف المناسب أمام غضب الجمهور وعدم توقعهم لما حدث من غضب من جميع طبقات المستفيدين كما أن الحوار الذي تم بين المسؤولين وبين الناس فقد أبسط وسائل الإقناع المنطقية للزيادة التي يجب أن تكون متدرجة على كل الشرائح فكانت نتيجة الحوار مزيدا من الرفض لما قامت به الوزارة وما تقترحه الشركة.
الخلاصة إننا قادمون على تغييرات كثيرة قد يضطر إليها المسؤولون في أي مرفق من المرافق التي تقدم خدماتها للناس وقد يواجه أي تغيير يأتي بمثل ما ووجه به رفع تسعيرة الماء، والصيف قادم والكهرباء وفواتير استهلاكها لن تكون أقل أهمية ولا أرخص ثمنا من الماء، لا سيما إن وجد المواطنون كما هو متوقع أن فواتيرهم تضاعفت وليس بيننا وبين فواتير الصيف إلا أيام قلائل. إن الكثير من المواطنين لا تتحمل دخولهم المتواضعة زيادات في كل شيء فارتفاع الوقود كان الأول الذي تحمله المستهلك ومر بسلام، ثم جاءت رسوم الماء غير متوقعة، وقد تكون فاتورة الكهرباء ثالثة الأثافي التي لن يستطيع الناس دفعها أو أكثرهم وفي المستقبل سيجد المواطن نفسه مطلوب منه تحمل المزيد من التكاليف المرهقة التي يصعب عليه تغطيتها في الظروف الحاضرة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/04/06