ليبيا تحت سكّين الأمم بمعونة عربيّة
د. وفيق إبراهيم
أين تقع ليبيا؟ هذا سؤال غريب لأن المنسق الأعلى في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل اكتشف «انها على عتبة دارنا»، بما يعني أنها قبالة أوروبا وتندرج في إطار اهتماماتها الجيوسياسية.
هذا السؤال نفسه لا يجذب اهتمام ثلاث دول عربية هي مصر والجزائر وتونس مجاورة جغرافياً لليبيا ويجمعها بها الانتماء القومي والتاريخي، وكثير من التدخلات الاجتماعية التي لا تحصى.
فيما يفصل ليبيا عن أوروبا البحر الأبيض المتوسط وتاريخ استعماري كريه تعرّضت فيه ليبيا منذ القرن التاسع عشر لاحتلالات إيطالية وإنجليزية وألمانية وأخيراً أميركية مع ادوار روسية صعدت في مرحلة القذافي وهبطت مع سقوط الاتحاد السوفياتي في 1989 لكنها تتحضر للعودة من بوابة دعم اللواء حغتر أحد طرفي النزاع الليبي على اساس ان ليبيا القذافية كانت جزءاً من الفضاءات السوفياتية.
لن ننسى ايضاً ادوار فرنسا التي قصفت ليبيا أكثر من مرة في المرحلة القذافية وشاركت في اسقاطه. هناك اذاً «شلة» امم تدخل على خط الصراع الداخلي الليبي من زاوية الصراع المفتوح بين قائد الجيش الليبي السابق اللواء حفتر الذي يسيطر على جنوب وشرق ووسط ليبيا مقابل الرئيس فايز السراج الذي يمسك بغربي البلاد ويكاد يسيطر على الشمال الغربي حتى تونس محاولاً في الوقت نفسه التقدم نحو الوسط.
هذا عن جانب الانقسام العسكري – السياسي، فما هي أسبابه؟ دمّر الغرب الأميركي والأوروبي دولة القذافي تاركين ليبيا لصراعات داخلية بدفع من تحريض دولي جعل السراج يرتمي في احضان الاخوان المسلمين، وبالتالي تركيا فيما تموضع حفتر مع النفوذ الأوروبي والخليجي وأخيراً الروسي.
اما المفاجأة هنا، فالتأييد الأميركي الكبير للسراج بذريعة أنه رئيس منتخب تعترف به الامم المتحدة ما يدفع الى سؤال الأميركيين عن الأسباب التي جعلتهم لا يطبقون الأمر نفسه في سورية التي لا تزال عضواً أساسياً معترفاً به في الامم المتحدة ورئيسها هو الرئيس الشرعي المنتخب.
بذلك ينكشف ان الأميركيين امتعضوا من تموضع حفتر مع روسيا، التي أرسلت قوات تابعة لشركة روسية خاصة من المرتزقة، الا انهم شديدو الارتباط بالجيوبوليتيك الروسي.
لذلك ارتضى الأميركيون بتأييد السراج الاخواني المدعوم من العثمانية الجديدة، لوقف التقدم الروسي فقط، او للدخول في البازار الدولي المفتوح لتقاسم ليبيا.
لجهة اسباب هذا الاهتمام الدولي فمركزها في الغاز والنفط الوفيرين والموقع الاستراتيجي على المتوسط ومساحة تبلغ مليوناً و300 الف كيلومتر مربع على عديد بسيط من السكان لا يصل الى ستة ملايين نسمة فقط.
لا بد من التأكيد ان ليبيا هي قلب المغرب العربي الكبير وبوابة أوروبا وتركيا الى افريقيا السوداء والسيطرة عليها تشكل بداية التأثير على مصر والجزائر وتونس والتشاد المجاورة.
لذلك ليس غريباً ان تتصارع على ليبيا فرنسا وإيطاليا بشكل مباشر وانجلتره وألمانيا بتمهل مقابل استعجال تركي يشارك في الحرب الداخلية بقوى برية وجوية تركية وعودة روسية لامعة تستذكر ايام الحليف القذافي ورائحة النفط والغاز والدور القطبي الذي يتطلب مدى دولياً واسعاً.
كذلك يرابط جنود أميركيون قبالة الساحل الليبي في بوارج بحرية استعداداً للاجتياح عند اللزوم.
كما أن السعودية والإمارات تساندان حفتر بالسلاح والمال والمدربين لأنهما لا تقبلان بسيطرة الاخوان المسلمين وتركيا على ليبيا، فهذه عداوة خليجية اخوانية يصادف أنها لا تتعارض مع التأييد الأميركي للسراج الاخواني، الذي يريد منع العودة الروسية الى ليبيا وشرذمتها لتقسيم ثرواتها بين دول النفوذ الغربي واستعمالها آنفاً لترويض المغرب الكبير وتطويع افريقيا بكاملها.
ماذا عن الجوار العربي لليبيا؟
مصر السيسي تهدّد تركيا بمقاتلتها اذا وصلت في تدخلها الليبي الى حدود بلاده في الشرق عند الحدود ويطالبها بصوت شجي بالانسحاب وينكفئ للاهتمام بقضاياه الداخلية حتى ينسى.
أما تونس فقد تسببت بالصراع على ليبيا بانقسام بين أحزابها الوطنية الليبية ورئيس جمهوريتها مع حزب النهضة التونسي «الاخواني» الذي يترأسه الغنوشي امين عام الاخوان ورئيس مجلس النواب، ما ادى الى اضطراب سياسي كبير يهدّد بتفاعلات وتداعيات على الاستقرار الوطني.
لذلك كان يُعوَّل على دور للجزائر الدولة الأكبر في شمال أفريقيا التي تستطيع ممارسة ادوار مقيدة في ليبيا، تمنع على الأقل تقاسم ليبيا ومنع التوتر السائد فيها من الانتقال الى شمال افريقيا، لكنها تكتفي بلقاءات مع مبعوثين من دول خارجية واقليمية وعربية «لدراسة الموقف» على الطريقة العربية.
قد تكون الجزائر مغدورة لأنها لم تخرج الا منذ مدة محدودة من اضطرابات أدت الى اقالة الرئيس السابق بوتفليقة وتعيين رئيس جديد هو عبد المجيد تبون.
هذا الرئيس يواصل مشاوراته مع وزير خارجية مصر سامح شكري ووزير خارجية فرنسا لودريان ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.
كان يكفي الجزائر أن تنسق مع مصر لمجابهة الدور التركي في ليبيا بأشكال تتعدى السياسة الى حدود الدور العسكري، لكن اوضاعها الداخلية الحالية قد لا تشجعها على مثل هذا التنسيق، خصوصاً أن الجزائر لا تمتلك طموح السيطرة على امكانات ليبيا من الوقود والأحفوري كحال الدول المتصارعة عليه.
يتبين بالاستنتاج ان هناك هجمة دولية لتقاسم ليبيا بغض النظر عن الابعاد الايديولوجية للموضوع والاصطفافات التاريخية. فالمهم هو النفط والغاز واستراتيجية الموقع، وهذا يمهّد الطريق لدول أوروبا وتركيا لاقتحام المشهد. ويسمح للدول العربية بدفع الأتاوات والصراخ فقط مع كميات كبيرة من الاتصالات.
أما الصراع الجيوبوليتيكي فيقتصر على المنازلة بين الأميركيين والروس، فها هو قائد قوات أميركا الافريقية «افريكوم» الجنرال ستيفن تسانفز يفضح مشروعاً روسياً للتموضع في ليبيا ونشر قواتها كحال سورية.
كما أن قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا باجيف هاريجيان يؤكد أن روسيا نقلت طائرات عسكرية الى ليبيا صبغتها بألوان جيش حفتر.
هناك ايضاً معلومات عن رسائل أميركية تسلمها المشير حفتر تطالبه بوقف العمليات العسكرية والدخول في مفاوضات.
بذلك يتضح أن التدخل الدولي المتنوع يريد تقسيم ليبيا الى دويلات متعددة وليس الى دولتين فقط، بخلفية سحب حيويتها ودورها المغربي والعربي وتقاسم ثرواتها الأحفورية واستعمالها لضبط الجزائر ومصر وقاعدة للتحرك في أفريقيا.
لذلك فقد تكون هذه التدخلات شبيهة بسورية في 2011 لكن ما ينقص ليبيا هو التيار الوطني المتكوّن من شعب وجيش أصيل ورئيس متمكن يشبه الرئيس السوري بشار الأسد.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/05/29