قيصر الأميركي…ووهم بروتس
طارق الأحمد
بعد أن عجز الأميركي عن إنجاز أهدافه بنتيجة عشر سنوات من الحرب على سورية لإسقاطها كدولةٍ، وليس كنظام سياسي فحسب، من خلال البدء بدعم ما يُسمّى بالثورات الملوّنة والتي تعتمد على تأليب المجتمع وضربه بعضه ببعض بواسطة القوة الناعمة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثم دعم مختلف أنواع الحركات التكفيرية والإرهابية في العالم لتأتي وتعيث في الأرض السورية خراباً وتدميراً وتحاول بعد ذلك تقسيم الأرض السورية إلى مناطق نفوذ تحكمها إمارات ظلامية تكفيرية. ها هي الولايات المتحدة تعلن الحرب من جديد بسلاح الاقتصاد على سورية، فقانون قيصر الذي بدأ تطبيق مندرجاته من قبل الإدارة الأميركية والذي يعتمد على شهادات قيل إنها لمصوّر فارّ من سورية واسمه المستعار قيصر.
فمن الواجب قبل الشروع في الحديث عن التفاصيل المتعلقة بـالسياسة أن نقول بأنّ هناك عملاً تفنيدياً قانونياً كاملاً يجب، بادئ ذي بدء، أن ندعو المختصين في القانون من جميع المتطوّعين والخبراء القادرين وأصحاب الخبرة القريبين من محور المقاومة لـتفنيد الأسس القانونية التي سار عليها إدراج هذا القانون، لأنه يحتوي على الكثير من الثغرات غير المنطقية مثل عدد الصور التي ادّعى امتلاكها وهي أكثر من خمسين ألف صورة إضافةً إلى مصداقية الشاهد ومسائل قانونية أخرى يجب على القانونيين أن يتصدّوا لها وينشروا بشأنها في مختلف الدول ومنها الدول الحليفة أو ذات المواقف الأكثر حيادية، كون هذا الأمر ينطوي على أهمية كبرى لو قيّض لنا دحض المشروع برمّته من الناحية القانونية وهذا ممكن ولو بنسبة قليلة بحسب بعض الخبراء.
لكن الفلسفة الأساسية التي يقوم عليها هذا القانون تعتمد ليس على حصار سورية، لأنّ سورية أصلاً محاصرة من قبل الغرب أيّ بشكل رئيسي الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والدول العربية وتركيا، والتي هي جزء أساسي من منظومة الغرب حيث أنها ومنذ عام 2011 لم تقطع صلتها الاقتصادية مع سورية فقط، وإنما قامت كما نفهمها نحن هنا في سورية قبل عام 2011 بسنوات عديدة بالتمهيد لـما جرى في العام 2011 من خلال الكثير من الإجراءات الترغيبية السريعة والمريبة التي ربطت فيها الاقتصاد السوري بشكل كبير مع الاقتصاد التركي والخليجي، وبالأخصّ بما يتعلق بعلاقة قطر بسورية، وعلاقة تركيا أيضاً بسورية حيث أنّ شهر العسل الاقتصادي إذا صحّ التعبير قد امتدّ لسنوات عديدة سبقت عام 2011، ثم وجدنا بأنّ من دخل إلى بيتنا صديقاً كان يتولى ريادة العمل العدواني الذي بدأ على سورية وأعني بالتحديد ما أصبح يُعرف بالمحور التركي القطري، بعد تراجع الدور الآخر للسعودية والإمارات، فتركيا لا تزال تحتلّ الأرض السورية وتشكل مع قطر جبهة العدوان في الحرب الاقتصادية على سورية.
لقد قامت فلسفة العقوبات الأميركية وبالأخص قانون قيصر المستجدّ الآن على محاصرة الدول التي لا تحاصر سورية وهنا يكمن لبّ الموضوع.
لسورية حلفاء وهؤلاء الحلفاء هم في رابط نضالي معها وبأهداف مشتركة سواء كان حلف المقاومة المعروف بخطه أو ما أسماه الرئيس بشار الأسد حلف مكافحة الإرهاب الذي يضمّ روسيا والصين أيضاً مع حلف المقاومة، حيث تكمن هنا مساحات مشتركة منها وبأساسها الرغبة الشديدة والمصلحة في نهوض سورية ووقوفها من جديد على قدميها ومنع انزلاقها في الأزمة الاقتصادية أو المعيشية، وبالتالي فإنّ السلاح الذي أقرّت الإدارة الأميركية محاربة سورية به هو وفق الفقرة 5318 من قانون الولايات المتحدة الأميركية لاعتبار المصرف المركزي هو مؤسسة مالية هدفها الأساسي يكمن في غسيل الأموال، ومعنى هذا الأمر أيّ إضافةً إلى شروحها المختلفة هو أنّ المطلوب من وزير الخزانة الأميركية إصدار تقرير جزء منه غير سري، أيّ معظمه معلن مع إمكانية أن يشمل على ملحق سري، ويعطي لـمجلس النواب الأميركي الـشرح الذي يفيد بأنّ المهمة الرئيسية للمصرف المركزي السوري هي غسل الأموال وفي نفس الوقت وضع جميع الوزارات والإدارات الأميركية في صورة هذا التقرير ومنها لجنة الشؤون الخارجية ولجنة الخدمات المالية ولجنة العلاقات الخارجية واللجنة المختصة بالمصارف والإسكان والشؤون العمرانية واللجنة المختصة باعتمادات مجلس الشيوخ وكلها عليها أن تأخذ علماً بالتقرير الذي يتمّ إرساله ثم وضع كلّ شيء بعهدة رئيس الولايات المتحدة الأميركية لكي يقرّر هو في ما إذا كان المصرف المركزي هو مؤسسة لـغسيل الأموال، وبالتالي هو يقرّر البدء بمعاقبة كلّ الكيانات والأشخاص والمنظمات غير الحكومية والدول بالتالي، وقد وضعت عبارات واضحة تشير إلى حكومة الاتحاد الروسي أو الحكومة الإيرانية بشكل مباشر بأنها هي المعنية بهذه القرارات، وبالتالي فإننا أمام استهداف مباشر للدول التي أصبح واضحاً بأنها هي الدول القادرة على أن تُعين الدولة السورية على الصمود، وهذا ما ذهبنا إليه في الشرح الأساسي وهو معاقبة كلّ من لا يُعاقب الدولة السورية، كون الدول الأخرى ومنذ عام 2011 قد ذهبت بملء إرادتها ابتداءً من تركيا إلى دول الخليج إلى دول أوروبا بقطع علاقاتها مع سورية وبمعاقبتها وفقاً للإملاءات الأميركية.
إذن… نحن أمام عملية إطباق حصار من خلال قرار قيصر على سورية بحيث يمكن وفق غايته ضرب كلّ باقي الكيانات التي يمكن أن تساعد الدولة السورية بأيّ شكل أو بآخر.
المجالات التي خصها القانون بـالذكر تتعلق بشكل رئيسي بصناعة النفط والغاز أو المنتجات النفطية إضافةً إلى ما يتعلق بالأغراض العسكرية وخاصةً لسلاح الطيران أو قطع الغيار المتعلقة به، بالإضافة إلى المصالح الهندسية المهمة للحكومة السورية، بمعنى أنها فقرة تصبح مفتوحة على اعتبار أيّ مشروع يتعلق بالإعمار مندرجاً ضمن فقرة من هذا النوع، وبالتالي نحن أمام إعطاء الحق لـرئيس الولايات المتحدة الأميركية كما جاء في النص أن يمارس كلّ صلاحياته الممنوحة له بوصفه رئيساً بموجب قانون القوى الاقتصادية لحالات الطوارئ الدولية رقم 50 في قانون الولايات المتحدة الأميركية رقمه 1701 وما يليه، وبالتالي لحجب ومنع كلّ الصفقات المتصلة بالملكية والفوائد على الملكية التي تعود لشخصية أجنبية في حال وجود تلك الممتلكات والفوائد التابعة لها ضمن حدود الولايات المتحدة الأميركية وهذا يستهدف المصالح الروسية الكثيرة جداً لروسيا والتي تعدّ بمئات مليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث تصبح أيضاً مندرجة وعرضة للمعاقبة بموجب هذا القانون.
طبعاً هناك فقرات محدّدة في هذا القانون تتعلق كلّ هذه الفقرات بالأشخاص الحاصلين على الجنسية الأميركية أو الذين يحملون سمات الدخول للولايات المتحدة الأميركية وهذا ينص على أن يحتوي القانون على عقوبات زاجرة وكبيرة يتأثر بها هؤلاء الأشخاص.
أما الاستثناءات من القانون فـهو موضوع يتعلق أصلاً بكلّ ما يندرج تحت عنوان مساعدة الشعب السوري وهو أن تستثنى منظمات الأمم المتحدة من عواقب تطبيق هذه النصوص القانونية وتسهيل المساعدات الإنسانية وهذا يذكرنا أصلاً بما قامت عليه الحرب السورية والتي قامت فلسفتها التي حاربت سورية وقطعت الطرق وضربت البنية الإنتاجية فيها كما فعلت تركيا من خلال مجموعاتها في مدينة حلب التي فكفكت الكثير من معاملها وسرقتها إضافةً إلى ضرب الصناعة والتجارة في سورية، وللعلم بأنّ سورية كانت دولة فريدة في العالم العربي حيث كانت تحوي في العام 2010 على 113000 منشأة صناعية مسجلة وأكثر من 850000 سجل تجاري مسجل لدى الدوائر الرسمية السورية، بمعنى أنّ الشعب السوري ونسبةً لعدد سكانه البالغ آنذاك 23 مليون نسمة، يعتبر بلداً عاملاً عندما يتمّ قسمة الرقمين السابقين سواء بالصناعة أو التجارة.
هذا عدا عن باقي المهن المتنوعة، ونحن هنا أمام شعب لديه معدلات إنتاجية عالية جداً نسبةً للأرقام العالمية، وعندما تندلع حرب كالتي اندلعت في سورية منذ عام 2011 ثم تقوم الأمم المتحدة بدعم من الدول التي حاربت سورية نفسها بإرسال الكثير من المساعدات ونعم أنا أقول إنّ هذه المساعدات ليست أبداً في صالح الشعب السوري فهي جزء أساسي من خطة الحرب على سورية والخطة تقوم على ضرب البنية الاقتصادية والإنتاجية لسورية وتحويل الشعب السوري من شعب منتج إلى شعب متلقّ للمساعدات فقط، وهنا نشاهد بأنّ فلسفة قانون «سيزر» أيضاً هنا تنطوي على ضرب ما تبقى من البنى الإنتاجية في سورية وإتاحة تسهيل المساعدات الإنسانية وهذا يأتي بالفقرة 202 من قانون «سيزر» والذي يريد إعادة تحويل الشعب السوري إلى متلقي إعانات فقط وهو ما يعني سلب إرادته واستقلال قراره الاقتصادي، وبالتالي استقلال قراره السيادي والسياسي.
تعليق العقوبات
إنّ التلخيص السياسي الذي يمكن أن يستنتجه القارئ لكلّ ما سبق ولـسبب إصدار هذا القانون وإصداره كقانون ملزم للرئيس تمّ التصديق عليه من قبل الكونغرس يكمن في دفتر الشروط المطلوب ليس من سورية والذي يفسّر الفقرة 301 تحت عنوان (تعليق العقوبات)، وهو أنّ هذه العقوبات هي بشكل رئيسي ليست على سورية لأنّ سورية معاقبة أصلاً منذ عشر سنوات، وإنما على حلفاء سورية وبشكل رئيسي على روسيا وإيران، حيث تتحدّث الفقرات المختلفة بكلّ ما يجري على الأرض السورية وتتهم فيها القوات السورية أو الحلفاء، وتذكر بالاسم حكومة روسيا الاتحادية بالفقرات وخاصة الأولى والثانية وبالفقرة الرابعة من السند الثالث وهو تعليق العقوبات، وبالتالي يجب أن نستنتج بأنّ هذا القانون بكليته هو دفتر شروط كامل مُعطى للرئيس الأميركي أياً كان، وليس بالضرورة للرئيس دونالد ترامب، أيّ ونحن على أبواب انتخابات أميركية مقبلة فقد يتبدّل فيها الرئيس ليأتي رئيس ديمقراطي. ولا يعني أبداً مجيء رئيس ديمقراطي أنه سيكون أفضل من الرئيس ترامب بل بالعكس ويجب أن ننوّه بأنّ الحرب على سورية قد بدأها الرئيس السابق باراك أوباما، وبالتالي يجب أن نعرف بأنّ الرئيس أصبحت مهمّته التفاوض مع الروس والإيرانيين إما لإعلان الحرب على الأرض السورية وعلى المصالح الجيوسياسية السورية ومع الحلفاء الروس والإيرانيين، أو التوصل إلى اتفاقات في التفاوض معهما، وهذه النتيجة هي الخلاصة التي يمكن أن نتوصل إليها لأنّ أيّ خلاصة أخرى لا تعني شيئاً في ظلّ وجود التزامات محققة يجب على الرئيس الأميركي أن يطبّقها لكن هو يتمتع بسلطة عدم تطبيقها وفق ما جاء في فقرات القانون، وبالتالي فنحن أمام دفتر شروط كامل يتعلق ببدء الرئيس بمصارعة حلفاء سورية الروس والإيرانيين على الأرض السورية وعلى النفوذ في سورية، ولا يمكن بموجب هذا القانون للرئيس الأميركي أن يتجاهل أو أن يترك المصالح الاقتصادية في سورية أن تتحرك بمعزل عن تطبيق هذا القانون بل عليه أن يلاحق كما أتى في الفقرات السابقة كلّ الكيانات والأشخاص والمؤسسات التابعة للدولتين التي تتعامل مع سورية، وهنا نكون أمام حلبة اشتباك حقيقية ومحققة ويجب الذهاب بموجبها إلى نتيجة ما، هذه النتيجة قد تكون الحرب وقد تكون أيّ شيء آخر لكنها لا يمكن أن تنتهي بـسكون المشهد أو بأن لا يكون هناك أيّ فعل لأنّ القانون يحتم على الرئيس كما أسلفنا اتخاذ مواقف.
لكن إنْ اعتقد من كتب هذا القانون في الولايات المتحدة الأميركية بأنّ حلفاء سوريـة سيتعاطون وفق منطق بروتس، فهذه أضغاث أحلام لا يمكن أن يعني تحقيقها إلا التسليم بالهزيمة.
إنّ المتابع للإجراءات الإيرانية الأخيرة التي أرسلت فيها بوارجها عبر آلاف الأميال حتى شواطئ فنزويلا والخط البحري الموقع بين ميناء طرطوس وجزيرة القرم بالإضافة إلى تهيئة البنية القانونية في الداخل الروسي من خلال منح الرئيس بوتين لسفيره في دمشق ألكسندر يفيموف صفة الممثل الرئاسي الخاص وتفويض وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين للتفاوض مع الحكومة السورية يعني أننا أمام سلة استعدادات لإيران وروسيا للتعاطي بجدية مع الوضع المستجد وفق ما يتطلبه والذي سيكون أهمّه خلق بنى اقتصادية تشابكية بعيدة عن طريقة التبادل التجارية التقليدية المكبّلة بالدولار والتحويل والتأمين، والتي تحتاج ربما إلى حوار أعمق على مستوى النخب الفكرية في كلّ البلدان بإضافة لبنان والعراق إلى سورية وروسيا وإيران، لخلق بيئة تبادل اقتصادي تكاملي جديد لا يهتمّ بالتأثيرات الخارجية بعد أن ثبت توافر كلّ العزيمة والإمكانات لذلك، ونحن أصحاب مقولة لن نتوقف عن ترديدها بعزيمتنا قبل شفاهنا وهي «هيهات منا الذلة».
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/13