السعودية تحسم أمرها: لتنفيذ «اتفاق الرياض» بأي ثمن
لقمان عبد الله
أوقعت سيطرة حلفاء الإمارات على سقطرى السعودية في حرج شديد (أ ف ب )
يبدو أن السعودية، هذه المرّة، قد حسمت أمرها بتنفيذ «اتفاق الرياض» بأي ثمن، إذ إن اعتبارات عديدة تدفعها إلى استعجال توحيد جبهتها، أملاً في الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ والهيبة قبل أي مفاوضات محتملة. من أجل ذلك، أوعزت الرياض إلى حليفها اليمني بضرورة المضي في تطبيق الاتفاق ولو بالشروط التي وضعها حلفاء أبو ظبي (تأليف الحكومة قبل الترتيبات الأمنية)، فيما تولّت بنفسها مهمّة تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة أبين حيث ساد الهدوء التامّ جبهات القتال منذ فجر الأحد
سرّعت السعودية، في خلال الأيام الماضية، الخطى نحو تنفيذ «اتفاق الرياض» الذي رعته بين وكلائها من جهة ووكلاء حليفتها الإمارات من جهة أخرى، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. وتدفع إلى هذا الاستعجال، وفق ما تقول مصادر مطلعة، حالة الفوضى التي تعيشها المحافظات الجنوبية، حيث الاحتراب الداخلي المستمرّ. وتلفت المصادر إلى أن العديد من الاستحقاقات الإقليمية والدولية تُحتّم على القيادة السعودية كسر الجمود الذي يعتري آلية تنفيذ الاتفاق منذ توقيعه، موضحة أن من أبرز تلك الاستحقاقات اقتراب موعد الانتخابات الأميركية التي تخشى الرياض أن تسفر عن خسارة حليفها الرئيس دونالد ترامب، ولا سيما أن منافسه، المرشح الديموقراطي جو بايدن، يتبنّى مقاربة مختلفة للعلاقة مع المملكة، التي أعلن مراراً عزمه على إيقاف عقود التسلّح معها في حال فوزه.
وإذ لا تبدو إنجازات قوات صنعاء على جبهات عديدة، خصوصاً منها مأرب حيث بات مركز المدينة على وشك السقوط، بعيدة من التحرّك السعودي، فقد علمت «الأخبار» أن الرياض تخشى من أن تؤدّي التطورات في الجنوب إلى استجلاب تدخّل دولي لن يكون بالضرورة في مصلحة المملكة، التي تتحسّب دائماً لفقدان مكانتها كطرف مؤثّر في اليمن منذ عقود. وربما تكون الأصوات اليمنية التي تعالت في الأيام الماضية بدعوة الأمم المتحدة إلى التدخّل قد غذّت تلك الخشية. وفي هذا الإطار، برز ما قاله مستشار الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، أحمد عبيد بن دغر، من أن «علينا جميعاً أن نحزم حقائبنا ونرحل نحو الأمم المتحدة لنبحث عن سلام دائم وعادل وشامل لليمن، وبصيغ تعايش مقبولة من كل الأطراف». وجاء كلام بن دغر تعليقاً على سقوط جزيرة سقطرى بيد «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي. وكانت سيطرة حلفاء الإمارات على الأرخبيل أوقعت النظام السعودي في حرج شديد، لكونها دفعت ببعض وكلائها الموثوقين إلى اتهامها بالتواطؤ على احتلال الجزيرة، ضمن مشروع تقسيم اليمن كمناطق نفوذ.
انطلاقاً من كل تلك الاعتبارات، بدأت، منذ نهاية الأسبوع الفائت التحرّكات في اتجاه التعجيل في تنفيذ «اتفاق الرياض»، إذ دعا هادي، بعد غياب دام عدة أشهر عن المشهدين السياسي والإعلامي، هيئة مستشاري الرئاسة ورئيس مجلس النواب الموالي للتحالف السعودي سلطان البركاني وأعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب، إلى اجتماع طارئ في العاصمة السعودية. وعلى الأثر، أرسلت المملكة، على وجه السرعة، طائرة خاصة إلى القاهرة، أقلّت المدعوّين إلى الرياض، حيث يوجد أيضاً نائب هادي علي محسن الأحمر، ورئيس حكومته معين عبد الملك، وعدد من أعضاء الحكومة. ووفقاً لمصادر مطّلعة، فإن الدعوة وُجّهت إلى المسؤولين اليمنيين من قِبَل «اللجنة السعودية الخاصة»، قبل أن يتمّ إنزالهم في فندق «ريتز كارلتون» السيّئ السمعة (احتُجز فيه أمراء ووزراء ورجال أعمال سعوديون، فضلاً عن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري في عام 2017). وفي هذا الإطار، بدا لافتاً أن المطبخ الإعلامي المرتبط بـ«اللجنة السعودية» عمد إلى تسريب أخبار عن نية المملكة عدم السماح للقيادات اليمنية بالخروج من الفندق إلا بعد الموافقة على تنفيذ «اتفاق الرياض».
أنزلت المملكة القيادات اليمنية في فندق «الريتز» في رسالة بالغة الدلالة
وفي رسالة ترهيب أخرى، عمد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى الاجتماع بـ«الضيوف» قبل أن يلتقيهم هادي، مبلغاً إياهم ضرورة وقف إطلاق النار في محافظة أبين، وتأليف حكومة يشارك فيها «الانتقالي»، تمهيداً للتفاوض مع حكومة صنعاء برعاية الأمم المتحدة. وفي أعقاب ذلك، التقى هادي المسؤولين الموالين له، وألقى أمامهم خطاباً هو نسخة مكرّرة عن خطاباته السابقة، باستثناء دعوته إلى وقف إطلاق النار في محافظة أبين، وتشديده على ضرورة «العودة إلى مسار تنفيذ اتفاق الرياض». وعلى رغم أن هادي جدّد رفضه التامّ لإعلان «الانتقالي» «الإدارة الذاتية»، فإنه أبدى مهادنة تجاه الأخير، مُوجّهاً الدعوة إلى من سمّاهم «أبناءه» في المجلس من أجل «إيقاف نزيف الدم، والتصعيد والاعتداءات».
لكن، مع ذلك، علمت «الأخبار» أن هادي لا يزال إلى الآن يرفض وساطات يقودها محمد آل جابر وشخصيات يمنية من أجل عقد لقاء بينه وبين رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، الموجود في الرياض منذ شهر ونصف شهر.
على المقلب الآخر، وعلى رغم اعتبار رئيس «الجمعية العمومية للمجلس الانتقالي»، أحمد بن بريك، «الإدارة الذاتية مطلباً شعبياً ليس للعاصمة عدن، بل في جميع محافظات الجنوب»، فإن المجلس عاد وأبدى، على لسان المتحدث باسمه نزار هيثم، نوعاً من الترحيب بخطاب هادي، إذ قال هيثم إن «علينا التركيز على ما بعد الخطاب، وأن نسعى جاهدين لتنفيذ اتفاق الرياض»، مُجدّداً «التزامنا بوقف إطلاق النار».
وما بين «الانتقالي» من جهة، والأجنحة الموالية للرياض داخل ما يسمّى «الشرعية» من جهة أخرى، يظلّ الفريق «الإخواني» المحسوب على تركيا وقطر على رفضه التامّ لـ«اتفاق الرياض»، ودعوته إلى التمرّد على السعودية لكونها هي التي توفّر الغطاء لما تقوم به الإمارات في اليمن. وفي هذا السياق، اعتبر وزير النقل المستقيل، صالح الجبواني، في رسالة مُوجّهة إلى هادي، أن «الخطر على اليمن يأتي من داخل الشرعية نفسها، من البيّاعين والمرتزقة والمتواطئين»، مضيفاً أن هؤلاء يشرّعون كلّ الخطوات السعودية والإماراتية في البلاد.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/29