مهزلة محكمة الجنايات الدولية بقضية الحريري ولماذا القانون الدولي حبر على ورق
د. أوس نزار درويش
صدر حكم محكمة الجنايات الدولية بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري هذا الحكم الذي طال انتظاره بعد تحقيق كبير وقرار ظني وقرار اتهامي وهذا الحكم يشكل في الحقيقة فضيحة قانونية وأنا سأتحدث هنا كدكتور قانون وككاتب سياسي أي سأفند الحكم من الناحية القانونية والناحية السياسية ، فقبل إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان التي افتتحت جلساتها في واحد آذار عام 2009 أنشأ مايسمى لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بالتحقيق باغتيال رفيق الحريري بموجب القرار 1595 الصادر عن مجلس الأمن لعام 2005، وقد كلف بالتحقيق وقتها القاضي الألماني ديتليف ميليس.
وقد أصدر تقريره الذي عرف وقتها بما يسمى بتقرير ميليس في العاشر من كانون الأول وتضمن هذا التقرير وقتها (إن أعضاء رفيعي المستوى في الحكومتين السورية واللبنانية شاركوا في عملية اغتيال الحريري) أي اتهم التقرير بشكل رئيسي الحكومة السورية وأربعة ضباط لبنانيين كبار وتم توقيفهم وقتها وهم (اللواء جميل السيد واللواء علي الحاج واللواء ريمون عازار والعميد مصطفى حمدان) ثم تعرضت لجنة التحقيق الخاصة بالحريري لفضيحة كبرى عندما اكتشف إنها اعتمدت في إثباتاتها وبراهينها على شهود زور، وذلك عندما تراجع أحد الشهود الرئيسين عن شهادته بشكل علني وهو (حسام طاهر حسام) واعترف إنه شهد شهادة زور وإنه تعرض للرشوة والتعذيب من قبل جهات تابعة لسعد الحريري ومرتبطة به وذلك للإدلاء بشهادته ضد سوريا.
وأيضا هناك شاهد زور آخر ويدعى زهير الصديق الذي غير أقواله أكثر من مرة أمام لجنة التحقيق الدولية واعترف أمام كثير من وسائل الإعلام عن علاقته بسعد الحريري وإن سعد الحريري هو من دفعه ليشهد ضد سوريا ، نتيجة لهذا اضطر وقتها ديتليف ميليس للاستقالة من رئاسته للجنة التحقيق الدولية وخلفه وقتها االقاضي البلجيكي سيرج براميرتز الذي كان محايدا ومهنيا في الفترة التي استلم فيها التحقيق نوعا ما، ثم بعد عقد جلسات المحكمة التي انطلقت في الواحد من آذار عام 2009 وبعد الكثير من التحقيقات والاستجوابات التي قامت بها أصدرت المحكمة الخاصة بلبنان في السابع عشر من تموز من عام ألفين وأحد عشر قرارها الإتهامي والذي اتهمت فيه خمسة من أبرز قياديي حزب الله بتنفيذ عملية الاغتيال وهم الشهيد الحاج مصطفى بدر الدين وأسد صبرا وسليم عياش وحسين عنيسي وحسن مرعي.
وقد أوجز القرار الاتهامي دور كل من المتهمين في العملية فالشهيد مصطفى بدر الدين مشرف عام على العملية وسليم عياش تنسيق مجموعة الاغتيال وحسن عنيسي وأسد صبرا إعداد إعلان المسؤولية زورا بهدف توجيه التحقيق إلى اشخاص لاعلاقة لهم بالاعتداء وقد صدرت وقتها بحقهم جميعا مذكرات توقيف غيابية وكان الهدف الأساسي من كل هذا الضغط السياسي على حزب الله بسبب دور حزب الله المقاوم والشريف في المنطقة وبعد صدور الحكم الذي صدر بتاريخ 18 8 2020 هذا الحكم الذي يحتوي على كثير من الأخطاء القانونية بالرغم من صدوره من أعلى محكمة قانونية دولية فقول القاضي ديفيد ري عندما قرأ ملخص قرار المحكمة الذي جاء في 2600 صفحة إن المحكمة ترى بأن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على الحريري.
فهل يوجد في القانون وفي الأحكام القضائية شي اسمه ربما في أي حكم قضائي يجب أن يكون حتمي وقاطع ولايرقى إليه الشك وأيضا قالت المحكمة في قرارها في جلسة النطق إن الأدلة تثبت تورط سليم عياش في عملية اغتيال الحريري عمدا وعن سابق إصرار في حين لم تثبت لدى المحكمة أي أدلة على ضلوع أسد صبرا وحسين عنيسي في اغتيال الحريري وبرأت أيضا حسن مرعي من تهمة تنسيق عملية الاغتيال والمغزى من إدانة سليم عياش فقط وهو من حزب الله حتى يكون هناك وسيلة ضغط غير مباشرة على حزب الله من خلال هذه المحكمة لتستفيد منها أمريكا وإسرائيل وتحصل على تنازلات من حزب الله لكن السيد حسن نصرالله استبق هذا الأمر عندما أعلن قبل أيام إن قرار المحكمة لايعنيهم لامن قريب ولامن بعيد وهم غير معنيين به.
مختصر القول فإن محكمة الجنايات الدولية هي محكمة سياسية بالدرجة الأولى ولاعلاقة لها لابالقانون ولابالقضاء فهي تستخدم القانون الدولي كغطاء لهاوإلا بما يفسر أن تصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرات توقيف بحق عمر البشير والرئيس معمر القذافي وسيف الإسلام القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتغفل كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها مجرموا الحرب من قادة الكيان الصهيوني المجرم فلوإن هذه المحكمة بالفعل قانونية وحيادية فعليها أن تصدر مذكرات توقيف بحق هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا أفظع أنواع الجرائم في السابق وحتى الآن فهل من العدل والمنطقي أن تشكل محكمة دولية من أجل اغتيال شخص واحد هذا طبعا مع اعتراضنا على هذه الجريمة ولاتشكل محكمة ولاحتى إدانة بسيطة لمقتل الشعب الفلسطيني في الماضي والحاضر على يد الكيان الصهيوني المجرم.
وأيضا لاتشكل محكمة ولاإدانة بسيطة للجرائم التي ارتكبتها تركيا بقيادة أوردوغان بحق سوريا شعبا وأرضا من فتح الحدود وإدخال كل شرازم وإرهابيي العالم لتخريب سوريا وسرقة معاملها وتفكيكها وأيضا الجرائم الوحشية التي يرتكبها التحالف بقيادة السعودية منذ أكثر من خمس سنوات بحق الشسعب اليمني وتسببه بموت ومجاعة اليمنيين ونشر الأمراض السارية كالكوليرا وكله أمام أعين المجتمع الدولي الذي لم يدن هذه الأفعال حتى بإدانة واحدة فمقياس السياسة الدولية هي الكيل بمكيالين والقانون الدولي للأسف الشديد هو عبارة عن عصا بيد أمريكا تحاول من خلاله ضرب كل من يخرج عن طاعتها ورحم الله أستاذنا ومعلمنا الفقيه القانوني الكبير الاستاذ الدكتور محمد عزيز شكري الذي قال في آواخر حياته مقولة شهيرة وهي (لقد ندمت ندما شديدا إنني قمت بتدريس القانون الدولي طوال فترة حياتي لأنه تبين لي بعد كل هذا العمر إن القانون الدولي مجرد حبر على ورق) وللأسف الشديد هذا هو الواقع كما قال أستاذنا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/08/21