تأجيل التطبيع البحريني: إخلاء الساحة للإمارات
عباس بوصفوان
لا يمكن أن يٌؤخذ على محمل الجدّ كلام البحرين عن أنها لن تُطبّع قبل السعودية (أ ف ب )
الشواهد متواترة على حماسة بحرانية رسمية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بينما يتجمّع عدد من الظروف التي تقود إلى تأجيل مؤقّت لهذا الإجراء. على أنه لا يمكن أن يٌؤخذ على محمل الجدّ كلام حمد بن عيسى آل خليفة عن أن المنامة لن تُطبّع قبل الرياض، كما ذكر الملك البحراني في اجتماعه أمس مع مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر. وهو الكلام ذاته الذي كررّه لدى استقباله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الأسبوع الماضي.
في السوابق الجلية، دَشّنت البحرين حفلات استقبال مبهرجة، بحضور مسؤولين صهاينة رفيعي المستوى، على مدى سنوات، ثم تَكثّفت تلك الحفلات طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية، وبلغت ذروتها باستضافة المنامة فعالية "صفقة القرن"، المرفوضة فلسطينياً، في حزيران/ يونيو من العام الماضي.
لم تنتظر المنامةُ الرياضَ في ذلك، أو لِنَقُل إن السعودية والإمارات اختارتا البحرين لعقد الاجتماع، الذي تلقّت الأخيرة بسببه وابلاً من النقد الحارق. في المقابل، وعلى رغم كلّ ما نعرفه من اتصالات ساخنة بين الرياض وتل أبيب، لم يُعلَن عن حدوث اجتماع بين مسؤول إسرائيلي وآخر سعودي في قلب الرياض. وطالما كانت البحرين مختبراً للسعودية والإمارات، وفي حالات مرصودة دَشّنت المنامة مساراً ما، ثمّ تَبِعتها الرياض وأبو ظبي ضمن السيناريو المتفق عليه. بذلك، تترنّح، إن لن نقل تتهاوى كلياً، الفرضية التي تروّجها السلطات البحرانية عن أنها لا يمكن أن تسبق الرياض في أيّ خطوة من الخطوات.
ثمّ ألا يبدو محيّراً أن نرى هذا القدر من الارتياح الأميركي، بينما مسؤولو الولايات المتحدة - الذين عادة يأمرون فيطاعون - يسمعون، من قلب المنامة، مراراً وتكراراً، رفضاً لطلب أميركي بالتطبيع؟ ألا يفترض أن يجلب ذلك غضب واشنطن، أو على الأقلّ نوعاً من الاستياء؟ ألا يبعث على التساؤل غياب قدر ولو قليل من الامتعاض لدى الأميركيين، وكذلك اليمين الحاكم في إسرائيل؟ يبدو أن الصهاينة ليسوا في عجلة من أمرهم لابتلاع الاقتصاد البحراني الهشّ، وهم يرون الكعكة الإماراتية المغرية في كامل زينتها.
تريد الإمارات أن تكون البوّابة الحصرية لإسرائيل بالنسبة إلى البحرين والسودان
تسويق أن البحرين تتريّث لعيون السعودية قد يدغدغ غرور نجد. بيد أن أحد التفسيرات المثيرة لتأجيل التطبيع البحراني يتلخّص في أن الإمارات تَنشد التميّز في علاقاتها مع الصهاينة، اقتصادياً وأمنياً، وأن تحتكر العلاقات الخاصة مع طرف يُعدّ بوابة واشنطن. كذلك، تريد الإمارات أن تكون البوّابة الحصرية لإسرائيل بالنسبة إلى البحرين والسودان، والدول التي تدور في فلكها، ويا بئسها من بوابة.
هذا الافتراض يذهب إلى القول إنه بينما تُمنع البحرين من استيراد الغاز من الجارين القطري والإيراني، ضمن الصراع الإقليمي المشهود، ما يضطر المنامة إلى التفاوض مع روسيا البعيدة، فإن الإمارات تستورد نسبة وازنة من الغاز القطري، تؤمّن لها ما مقداره 30٪ من احتياجات الطاقة. ويستمرّ ذلك عبر خطّ أنابيب دولفين المشترك، حتى بعد إعلان أبو ظبي وثلاث عواصم أخرى مقاطعة قطر في 2017. أيضاً، تنسج الإمارات علاقات اقتصادية عميقة مع تركيا وإيران، اللتين لا تخفي سعيها إلى تفجير الوضع فيهما، في حين تُمنع البحرين من ذلك، وأخيراً عقّدت المنامة وصول الأفراد والمستثمرين والشركات والبضائع التركية إلى الجزر.
ربّما من محاسن التنمّر الإماراتي على البحرين أن يدفعها إلى التريّث في إعلان ما هو غير سرّي، فيما لم تتّضح بعد معالم ما يسمّى "مكاسب" أبو ظبي في علاقاتها المحرّمة مع الكيان. بيد أن الإمارات تخاطر الآن بزرع بؤر التوتر في الخليج، على حدودها مع إيران من ناحية، وعلى تخوم الكيان مع فلسطين والأردن من ناحية أخرى، وهي مع سوريا ولبنان متوتّرة أصلاً. في كلّ الأحوال، فإن تبادل السفراء مع الصهاينة مرفوض شعبيّاً في البحرين وعموم المنطقة، وانتفاؤه مدعاة لتنفّس الصعداء، ولو إلى حين.
غنيّ عن القول إن البحرين تتبع المحور السعودي - الإماراتي. ولا تحوز المنامة سياسة خارجية مستقلة، وليس سرّاً أن بعض البيانات تصاغ في الخارجية السعودية، وتُنشر باسم المملكتين، ضمن ما يوصف بـ"التكامل". اليد السعودية - الإماراتية تطال الشؤون الداخلية البحرانية، ويعزى الوضع المتردّي في الجزر الصغيرة إلى تشدّد البلدين العربيين الجارين الداعمَين مالياً وسياسياً للمنامة، وليس فقط إلى طغيان المتزمّتين في قصر الصافرية (مقرّ ملك البحرين).
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/09/02