انهم “يحجون” إلى اسرائيل.. على جثث اهلهم!
طلال سلمان
لم تعد الخيانة جريمة عظمى بحق الامة والوطن، بل باتت فرصة لإحراز الجوائز العالمية في بطولة “السلام”… فالأرض للقادر على أخذها، ولو بالمدفع وقصف الطائرات الحربية والدبابات، وليس للعاجز عن استثمارها واستخراج خيراتها، ولو بفضل الخبراء الاجانب الذين يجيئون فينقبون ويكتشفون، ثم تأتي خلفهم الشركات ذات المعارف والمعدات فتستخرج الثروات وتتقاسمها مع أهل الارض… ومن الطبيعي أن يكون ثمن المعرفة أعلى بما لا يُقاس من ثمن الارض!
وللإنصاف وإحقاقاً للحق، فان وزيري الخارجية في كل من دولتي البحرين والامارات العربية المتحدة قد ذهبا إلى واشنطن متلهفين على انجاز مهمة الصلح مع العدو الاسرائيلي باعتبارها المدخل لصنع السلام.. والتكفل بإيواء الفلسطينيين الذين سيُطردون من أرضهم التي اعطتهم اسمها فأعطوها دماءهم، في مخيمات فاخرة تقام في غياهب الصحراء بين الشارقة والفجيرة، أو في جزر تُبنى أو تُشترى جاهزة كتلك التي تُعد للشيوخ في مواسم صيد البقر الوحشي والغزلان التي تأخذ إلى الشعر!
ها قد ارتفع عدد الدول العربية التي تعتمد العقل والالة الحاسبة إلى خمس، والباقي يتربص مبتلعاً ردود الفعل التي صدرت على الخطوة الجريئة التي اتخذتها الامارات والبحرين ليقرر، من ثَم موعده مع الصلح.. خصوصاً بعد أن مرت اجازة مرور طائرات “العال” الاسرائيلية في الاجواء السعودية من دون اعتراضات أو تداعيات مزعجة.
عودوا إلى التاريخ، أيها المعترضون: لقد كان اليهود شركاء للعرب في كل أرضهم بدءاً بشبه الجزيرة العربية وصولاً إلى الاندلس!صحيح أن إسرائيليي هذه الايام مقاتلون استُقدموا من الغرب، معززين “بإنجازات ادولف هتلر، ووصايا هيرتزل وعصا موسى”، لكن العرب الذين اشتهروا بإكرام الضيف قد رفضوهم شركاء في أرضهم وحاولوا منعهم من دخول أورشليم.. وكان لا بد من الحرب، وقد ربحها المؤهلون على بناء الدولة القائدة: اسرائيل!
إن العرب بلا قيادة ولا قائد. والأرض التي لا تختزن الذهب الاسود ولا تلتمع شواطئها بالذهب الابيض (الغاز) بلا قيمة..
ثم أن العالم قد تغير، فسقط الاتحاد السوفياتي مضرجاً بدماء الاشتراكية والشيوعية، وساد رأس المال في العالم أجمع فقامت على ركائزه الدول، ومن الطبيعي أن تسقط الدول التي لا مال عندها ولا نفط في أرضها ولا غاز في بحرها.
القرار الآن لمن يملك أكثر، اما الفقراء فلهم أن ينتظروا الوعد الإلهي بإنصافهم في المقبل من الأيام..
إنه عصر القوة، وللقوة ثلاثة مصادر: الذهب الاصفر والذهب الاسود (النفط) والذهب الابيض (الغاز).. وها أن اهل الغاز والنفط قد صالحوا من كانوا عدواً، بل أن دولة التجمع الاكبر من الفقراء (أي مصر) قد صالحت، فماذا ينتظر الآخرون؟!
انظر حولك: أترى الخراب في سوريا؟ أترى الدمار في العراق؟ أترى التدمير والكوليرا والجرب في اليمن؟
الصلح هو المشفى وهو الدواء!
انظر إلى إسرائيل، وأين أنت منها؟
انت تقول الشعر وهي تصنع القنبلة الذرية!
انت تستورد احتياجاتك جميعاً، بما في ذلك ثيابك، واسرائيل تصدر الدبابات والهليكوبتر والطائرات إلى بعض الدول في افريقيا واميركا اللاتينية.
ماذا يصنع في الاردن أو في البحرين أو في دولة الامارات؟
كم تبلغ قيمة الصادرات الاسرائيلية، سواء في مجال الصناعة والانتاج الحربي الذي اخترق جدار الصين وأوصل اليها السلاح في حين كان العرب ينظمون القصائد في ليو شاو تشي، لي شيان نيان، يانغ شانغ كون والكبير ماوتسي تونغ الذي مشى أرض الصين بطولها والعرض على قدميه؟
لقد ضربت التجربة الناصرية في مصر، وغطى السادات الهزيمة بالصلح والانفتاح، واحتمى الملك حسين بالقوة الاسرائيلية وهو يوقع معاهدة الصلح في وادي عربة.
وخاض صدام حسين مجموعة من المغامرات منها الحرب ضد إيران التي استمرت أكثر من ثماني سنوات، ومنها غزو الكويت الذي ألب عليه العرب أجمعين فتواطأوا مع الغرب الاميركي في حصاره والتضييق على الشعب العراقي جميعاً قبل أن يقتحموا بغداد ويعثروا عليه مختبئاً في جحر معتم فسلموه إلى الشيعة ليعدموه، فتكون فتنة..
لكن العراق نجا من الفتنة وان كانت الدولة قد انهارت فيه..
وها هي سوريا تعاني من الحصار ومن قتال المنظمات الارهابية ومن الاقتحامات والتمدد التركي في شمالها وشرقها وانتقال بعض القوات الاميركية من العراق إلى حيث النفط والغاز في سوريا، دير الزور والحسكة وبعض البادية.
كأن العرب على عتبة مرحلة جديدة تحتاج إلى قيادة مؤهلة لكي يجتازوا هذا المضيق الذي تحاصرهم فيه أزمة الضياع.
ولن يجيء الانقاذ من الخارج، بل لا بد أن يولد من رحم النكبة أو الازمة التي يعاني فيها الجميع الضياع..
… والصباح آتٍ، ولو بعد حين. فلا يعقل أن تدوم العتمة، والفجر آت، ولو كره باعة الاوطان الساعين إلى الصلح مع العدو بدماء الذين سقطوا دفاعاً عن شرف الأمة وطهارة الارض.
إن موسم “الحج” إلى اسرائيل، في كيانها المحصن الآن بالاعترافات العربية قد اضاع العرب عن هويتهم وحقهم في ارضهم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/09/25