آمال أمريكا بسقوط الاستقلاليين خائبة ومضحكة
د. عبد الستار قاسم
لا تتوقف أمريكا عن حبك الدسائس والمؤامرات من أجل إسقاط المناوئين لسياساتها في المنطقة العربية الإسلامية، وخيباتها أيضا لا تنتهي. كثيرون في المنطقة يرفضون الهيمنة الأمريكية ويصرون على الاستقلال والسيادة الذاتية، وأمريكا تريدهم أغناما يساقون كقطيع بكلب وحمار. وكم من المرات حاكت الدسائس والمؤامرات مع عناصر داخلية وأوروبية وعربية من أجل إسقاط هذا النظام أو ذاك، أو تفكيك هذا التنظيم أو ذاك، لكن محاولاتها جميعها باءت بالفشل حتى الآن. وفيما يلي قائمة بالآمال الأمريكية والخيبات المترتبة عليها:
كانت تأمل الولايات المتحدة الأمريكية بسقوط لبنان إبان احتلال الصهاينة للجنوب اللبناني، وعلى مدى سنوات طويلة قدمت كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني، وأجرت ما أمكنها من اتصالات مكثفة مع أطراف دولية وإقليمية من أجل إخضاع لبنان للشروط الصهيونية مقابل الانسحاب من الجنوب، لكن المقاومة اللبنانية رفضت كل المشاريع الصهيو عربية الأمريكية وأصرت على انسحاب الصهاينة من الجنوب بدون شروط. حاولت أطراف لبنانية إخضاع لبنان وإركاعها، لكن اتفاقية 17/أيار المهينة سقطت أمام ضربات المقاومة إلى أن اضطر الصهاينة إلى الانسحاب مهزومين عام 2000. وبذلك فقدت أمريكا أملها بدخول لبنان إلى لجج الخيانة المظلمة.
راهنت أمريكا عام 2006 على الكيان الصهيوني لتصفية المقاومة اللبنانية وبناء ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد. وهرولت وزيرة خارجية أمريكا إلى المنطقة تبشر بإقامة هذا الجديد على اعتبار أن الصهاينة سينتصرون على حزب الله ويفككونه، ويخلو الجو بعد ذلك لأرباب الاستعمار اللبنانيين ودول عربية مساندة لهم. قدمت أمريكا كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر للصهاينة لتمكينهم من هزيمة الحزب، لكنهم انكفأوا خائبين مهزومين. ظن الأمريكيون أن المقاومة اللبنانية لن تتحمل أكثر من أسبوعين، وتبين أن حليفهم الصهيوني هو الذي لا يتحمل. ومنذ ذلك الحين وأمريكا لا تتوقف عن التآمر مع لبنانيين وأنظمة عربية للقضاء على المقاومة اللبنانية، لكن آمالهم ما زالت خائبة.
احتفلت أمريكا عام 2008 بشن حرب صهيونية على قطاع غزة، وأعلنت أن غزة ستنهار بسرعة لأنها لا تملك القدرة على مواجهة جيش صهيوني جرار ومسلح تسليحا حديثا. واحتفل معها عرب وفلسطينيون. لكن المقاومة الفلسطينية في غزة فاجأت الجميع بصمودها ورباطة جأش جنودها واستعدادهم للمواجهة بشراسة وعنفوان وبأس شديد. لم يتمكن الجيش الصهيوني من اختراق غزة، وبقيت غزة متماسكة، وخرجت المقاومة أقوى مما كانت عليه، والتفت حولها جماهير الأمة العربية والإسلامية عازمة على تقديم ما أمكن من الدعم. هُزم الصهاينة أمام 365 كم 2 من الأرض بشعب مقدام شجاع.
بنت أمريكا آمالا كبيرة على الاحتجاجات التي حصلت في إيران عام 2009 ووفرت للمحتجين سبل التأثير وتهييج الإيرانيين على أمل أن يتمكن المحتجون من إسقاط النظام الإيراني واستبداله بمن كانوا شرطة أمريكية في الخليج. عملت مختلف المؤسسات الأمريكية الرسمية والإعلامية والحزبية على دعم المتظاهرين، وبشرت أمريكا بقرب سقوط النظام، لكن النظام بقي صامدا وخابت السياسة الأمريكية من جديد.
أما في اليمن، قدمت أمريكا مختلف أنواع الدعم للتحالف السعودي وما زالت تقدم من أجل القضاء على القوة الحوثية. بدأت الحرب على اليمن بتاريخ 15/آذار/2015، وتكهن السعوديون والأمريكيون أن اليمن ستسقط بأيدي التحالف العربي خلال شهرين أو ثلاثة. الحرب ما زالت مستمرة لعامها السادس لغاية الآن، ولا يبدو أن الحوثيين يتراجعون. ثبت أن الحوثيين أقوى من كل التكهنات، وصلابة الجندي الحوثي اقوى من كل الأسلحة الفتاكة التي تمتلكها السعودية وحلفاؤها. خابت آمالهم وتوقعاتهم من جديد.
جرب الكيان الصهيوني حربا على قطاع غزة عام 2012، ومرة أخرى عام 2014، وكل ما فعله الصهاينة هو قتل الناس الآمنين وهدم البيوت والأبراج السكنية، ولم يتمكنوا من التقدم مائة متر داخل قطاع غزة. وأثبتت المقاومة الفلسطينية أنها دائما جاهزة للقتال، وأنها تواصل الليل بالنهار من أجل الحصول على الأسلحة وتصنيعها وتطويرها. انكفأ الجيش الصهيوني في كل حرب شنها على غزة، وتبخرت آمال الصهاينة في إعادة القطاع إلى حكم محمود عباس ومن معه من أهل أوسلو.
نشبت الأحداث في سوريا عام 2011، وانصب اهتمام الأمريكيين والصهاينة وعدد من الأنظمة العربية على إسقاط النظام ليس لأنه محارب ضد الصهاينة ولكن لأنه يقدم الدعم غير المشروط لكل فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية لمواجهة الصهاينة. وبشر الأمريكيون ومن معهم بأن النظام لن يصمد أكثر من بضعة أشهر، والبديل جاهز ولديه الاستعداد للتفاهم مع الصهاينة والخضوع للإرادة الأمريكية. الحرب الداخلية السورية مستعرة منذ ذلك الحين وما زالت، والنظام لم يسقط. تحولت الأشهر في سوريا كما في اليمن إلى سنوات، ولم تحقق أمريكا ما أملت به.
قالت أمريكا إنها قضت على طالبان، لكن طالبان ما زالت تقاتل، واضطرت أمريكا إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع الحركة في الوقت الذي ما زالت فيه تقاتل في أفغانستان. خابت إعلانات أمريكا بتحقيق انتصارات في أفغانستان.
ظنت أمريكا أنها طوعت العراق، وأن غياب صدام حسين قد مهد لها الطريق لكي تنهب ثروات العراق وتدفعها نحو الصلح مع الكيان الصهيوني. العراق الآن يزدحم بتنظيمات مسلحة تتوعد جميعها الجنود والحضور الأمريكيين في البلاد. والعراق الآن محسوبة على محور المقاومة المعادي للكيان الصهيوني وللهيمنة الأمريكية. دمرت أمريكا العراق وقتلت مئات الآلاف من العراقيين وهي تتوهم أنها انتصرت. وفي آخر النهار تعلن أنها تقاوم الوجود الإيراني في العراق، والإيرانيون يتوعدونها، وتبقى الذراع الإيرانية أكثر طولا من الذراع الأمريكية في العراق. لقد خسرت أمريكا العراق تماما، وكل محاولاتها ستصطدم بمقاومة عراقية شرسة.
ألم تنجح أمريكا في إحدى سياساتها ضد الذين ينشدون الحرية والاستقلال؟ نعم نجحت فقط مع منظمة التحرير الفلسطينية. ذهبت المنظمة خانعة خاضعة إلى واشنطن ووقعت اتفاقية الذل والعار المسماة باتفاقية أوسلو.
يقيس الأمريكيون إرادة الشعوب وصبرها وصمودها وفق بيئتهم الثقافية، ويظنون أ، ما ينطبق عليهم من سلوكيات ومفاهيم الكرامة والعزة والاستقلالية ينطبق على باقي الشعوب. وهم لا يأخذون بالاعتبار قدرة الشعوب الفقيرة أو القريبة من الفقر على تحمل العوز والفقر وضيق الحال المعيشي. ولهذا هم يغامرون فيخسرون.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/10/21