عسكر السودان: راغبون في التطبيع خائفون من الشعب جاهزون لانقلاب جديد
طالب الحسني
يجري تحضير السودان ليكون العربة الثالثة في قطار التطبيع “العربي” مع كيان العدو الاسرائيلي خلال هذا العام 2020 ، لابد وأن يحدث ذلك قبيل الانتخابات الامريكية فهو جزء من مسار دعم إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية ، على الرغم الشكوك الكبيرة بأن ذلك ربما لن ينقذ ترامب من الهزيمة ، ما يجعل هذا الملف وفي هذا التوقيت تحديدا متشابك مع الانتخابات الرئاسية الامريكية ، هي تصريحات أنصار ترامب في البيت الأبيض ، والتسريبات شبه اليومية في الصحف العبرية في هذا الشأن .
البنية التحتية الجديدة في النظام السوداني الحالي منقسمة ليس في مسألة التطبيع والعلاقة مع “اسرائيل ” فقط ، بل في كل الملفات الخارجية ومن ضمنها العلاقة مع دول الخليج ، المال السعودي والإماراتي الذي يعطى للعسكر يجعل التيار المدني الشريك في المجلس السيادي السوداني الحاكم يشعر أن ثورته التي أطاحت بالرئيس المعتقل عمر البشير مخطوفة وليس هناك ضمانات وثيقة بتسليم العسكر الرئاسة للمدنيين وفق خطة الاتفاق التي وقعت برعاية الاتحاد الافريقي وبوجود سعودي اماراتي لافت في الـ 17 اغسطس 2019 كمرحلة انتقالية من 3 سنوات يفترض أن لا يتحدد فيها موقع السودان النهائي في خارطة التحالفات الاقليمية والدولية ، في حين أن العسكر لا يلتزمون بهذا مطلقا وتكرر داخليا نقد ما يعتبر تجاوزا من العسكر وخاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع العدو الاسرائيلي فمنذو لقاء البرهان نتنياهو في أوغندا مطلع هذا العام 3فبراير 2020 يجري تكسير هذا الحاجز في أكثر العلاقات حساسية .
العسكر يرغبون بالتطبيع ويقولون ذلك جهارا وصراحة حتى بعيدا عن ربط التطبيع برفع العقوبات وما قاله نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلال لقاء تلفزيوني يرسم تصورهم لشكل العلاقة التي يربطها بما يسميها المصالح والحاجة و ” الاستفادة ” من امكانيتها المتطورة ، دون خوف من ( زول ) وهو هنا يقرأ تلقائيا المخاوف المتوقعة حتى لو أظهر أنه لا يخاف منها ، العسكر يخافون من الشارع ، الشارع السوداني هو مربط الفرس في إحجام العسكر حتى الآن رغم الضغوط السعودية والاماراتية والامريكية .
الاعلان الثنائي الامريكي والسوداني على تسوية مبدأية لملف الحصار والعقوبات المفروضة على السوداني منذ قرابة 30 عاما بحيث تدفع الخرطوم 350 مليون دولار كتعويضات “لأسر الضحايا المتضررين ” في حوادث المدمرة “كول” وتفجير السفارتين بدار السلام ونيروبي ، بعد أن أصدرت المحكمة العليا الأمريكية، قرارا يقضى بضرورة دفع الخرطوم، المتهمة بالتواطؤ في تنفيذ تلك التفجيرات، تعويضات مالية لأسر القتلى البالغ عددهم 224 ، مقابل إزالة اسم السودان من قائمة ” الارهاب ” وبالتالي رفع الحصار ، لا تعد تسوية كاملة ، توقف الضغوط على الخرطوم لتوقيع العلاقة مع العدو الاسرائيلي ، بل هي مقدمة ولتحاشي أن يقال ان رفع العقوبات كان مقابل التطبيع ، ومن الغريب ان رئيس مجلس الوزراء السوداني حمدوك يعتبر ذلك انجاز ، وليس طعم لاسكات التيار المدني لأقل من نصف شهر إن وقع التطبيع المتوقع .
العسكر لا ينظرون إلى العلاقة مع ” اسرائيل ” أنها ضرورة لرفع السودان من قائمة ” الارهاب ” فحسب ، بل ينظرون إلى ذلك باعتبارها ضمانة للاستمرار في الحكم بدعم خليجي واسرائيلي وامريكي وفي حال فاز ترامب بولاية جديدة فإن ذلك سيكون أسرع ، ومن هنا تأتي الرغبة في تسريع خطوات التطبيع التي يحملها العسكر ، ما يخشونه هو الثورة ، إذ ان اعلان التطبيع قد يؤدي وربما بالضرورة إلى انسحاب قوى الحرية والتغيير التيار المدني السوداني من مجلس السيادة وربما استقالة الحكومة والدعوة إلى ثورة شعبية للاطاحة بالعسكر وهذه المرة بشعار قضية فلسطين المتأصلة في غالبية الشعب السوداني العربي العريق ، يصعب التنبؤ بمصير السودان اذا تمسك العسكر بالحكم بدعم سعودي اماراتي امريكي واسرائيلي .
اما السيناريو الأخطر أن ينفذ العسكر انقلابا عسكريا جديدا قبل انتهاء فترة رئاسة الجنرال عبدالفتاح البرهان لمجلس السيادة نهاية مايو 2021 تباركه السعودية والامارات ومصر والولايات المتحدة الامريكية وبالتالي يتكرر النموذج المصري بنسخته السودانية ، وما سيساعد في ذلك وجود ثغرة كبيرة وواسعة في اتفاق تقاسم السلطة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير للفترة الانتقالية اذ تنص المادة العاشرة منه على التالي :
يتشكل مجلس الوزراء من شخصيات وطنية ذات كفاءات مستقلة لا يتجاوز عددها العشرين وزيراً بالتشاور يختارهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يعينهما المكون العسكري بمجلس السيادة. ولرئيس مجلس الوزراء أن يرشح استثناءًا شخصية حزبية ذات كفاءة أكيدة لممارسة مهمة وزارية .
فوجود هذا الشق ( عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يعينهما المكون العسكري بمجلس السيادة ) من المادة والمتعلقة بوزارتي الداخلية والدفاع يكفي لترتيب انقلاب عسكري كامل .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/10/23