ماكرون.. سؤال من مسيحي عربي: ماذا مع إرهابكم المُنظّم؟
زهير أندراوس
وُلِدت في قرية ترشيحا، شمال فلسطين، لعائلةٍ مسيحيّةٍ- كاثوليكيّةٍ، لستُ ضدّ مَنْ يقتدي بالدّين، ولكننّي ضدّ التطرّف الدينيّ. آمنت منذ صغري، وبطبيعة الحال ما زلتُ مُقتنعًا بالقوميّة العربيّة كحلٍّ وحيدٍ لانتصار أمّتي وشعبي الفلسطينيّ على الأعداء الخارجيين والداخليين. أكثر من ذلك، أؤمن إيمانًا قاطِعًا بأنّ علمنة الأمّة، أيْ فصل الدّين عن الدولة والسياسة، هي الطريقة الأمثل لتحقيق طموحاتنا القوميّة والوطنيّة، ولكن هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال، تجاهلي للاجتهادات المُختلفة، لأنّه مهما تباينت الآراء والمُعتقدات تبقى فلسطين البوصلة التي نهتدي بها.
***
سقتُ هذه المُقدّمة على وقع تصريحات الرئيس الفرنسيّ، عمانوئيل ماكرون، المُسيئة للمُسلمين وللرسول العربيّ الكريم، لأنّني أعتبِرها إساءةً شخصيّةً، ذلك أنّ هذا الاستعماريّ-الأبيض، خلافًا لنا، يتعامَل معنا باستعلاءٍ وفوقيّةٍ، بازدراءٍ وإذلالٍ، ويرى كغيره من قادة القارّة العجوز في العرب والمُسلمين جماعةً من المُتخلّفين، مُتناسيًا عن سبق الإصرار والترّصد أنّه عندما كانت شوارع بغداد مُضاءةُ بالمصابيح في عهد هارون الرشيد، كانت باريس عاصمة العتمة.
***
يتّهمنا ماكرون بالإرهاب ويُطالِب بكلّ صلفٍ ووقاحةٍ بإعادة تقييم الإسلام، وهذا نابعٌ فيما هو نابعٌ من أزمةٍ فكريّةٍ يُعاني منها الآمرين، فالدّين المسيحيّ حرّم على تابعيه القتل في وصيّة (لا تقتل)، ومن هذا المُنطلق يحِّق لنا أنْ نسأل الرئيس ماكرون، وَمَنْ لفّ لفّه، عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها أجداده في الجزائر، قتلوا مليون ونصف المليون من هذا الشعب العربيّ الأصيل الذي كان يُناضِل للتحرّر من نير الاستعمار الفرنسيّ، وحتى هذه اللحظة، لم تعتذِر فرنسا عن هذه المجازِر التي ارتكبتها، لا بلْ أكثر من ذلك، إنّها تُواصِل، إنْ كان ذلك مُباشرةً أوْ عن طريق الحروب بالوكالة والـ”ثورات” بالإنابة، تُواصِل قتل العرب والمُسلمين في الشرق الأوسط وإفريقيا، فهل هذا ليس الإرهاب بعينه؟ وزيادةً على ذلك: حتى إذا قام البعض منّا بارتكاب جريمةٍ هنا أوْ هناك، ماذا مع إرهابكم المُنظّم؟ فشتّان ما بين الإرهاب الفرديّ والإرهاب التي تُمارِسه دولة مؤسساتٍ وقوانين: مَنْ دمرّ ليبيا وسرق ثرواتها؟ من أشعل الحرب الأهليّة فيها؟ مَنْ تآمر وما زال على فلسطين؟ أليسَ الغرب المُتنوّر بظلام عتمة المصالح! مَنْ عمِل سرًا وعلانيّةً من أجل تحقيق حلم الحركة الصهيونيّة وصنيعتها إسرائيل القاضي بتفتيت سوريّة وتحويلها إلى دولةٍ فاشلةٍ؟ نعم، إنّه الغرب الكولونياليّ، لأنّ مصالحه السياسيّة والاقتصاديّة تتساوق مع مصالح رأس حربة الإرهاب العالميّ، الويلات (ليس خطأً إملائيًا) المُتحدّة الأمريكيّة وتوابعها من الرجعيين العرب وغير العرب.
***
لا نقاش بأنّ تصريحات الرئيس الفرنسيّ تُسيء جدًا للإسلام والمُسلمين، وللإنسانيّة جمعاء، ولا يختلِف عاقلان بأنّ هذا الصعلوك-الاستعماريّ بنفثه لسمومه وتحريضه الأرعن أكِّد المؤكَّد: الاستعماريّ الأبيض يُعادي بشكلٍ مُزمنٍ العرب والمُسلمين، وبالتالي فإنّ ردود الفعل الرسميّة والشعبيّة مفهومةً وصحيّةً. ولكن، فلنترك المشاعر والعواطف جانبًا لنتساءل: هل سمعتم عن تهديدٍ بطرد سفيرٍ فرنسيٍّ من دولةٍ عربيّةٍ أوْ إسلاميّةٍ؟ هل نما إلى مسامعكم قيام الأنظمة الرسميّة بخطواتٍ عمليّةٍ، وليست كلاميّةً، لمُعاقبة فرنسا الاستعماريّة العنصريّة؟ الأنظمة الرسميّة، العربيّة والإسلاميّة على حدٍّ سواء، مُلزمةٌ باتخاذ الخطوات العمليّة لعقاب فرنسا اقتصاديًا، سياسيًا، تجاريًا ودبلوماسيًا عملاً بالترتيبات المنصوص عليها في العلاقات الدوليّة، ونعتقد أنّ تحقيق هذا المطلب هو أضعف الإيمان، لأنّ فرنسا ورئيسها وقادتها والغرب الاستعماريّ المُتغوِّل يجِب أنْ يتعلّموا مرّةً واحدةً، وليس للأبد، أننّا أمّة تحترِم دينها وكرامتها، وردود فعلنا على الإساءة للإسلام والنبيّ العربيّ الكريم هي ليست من أجل الحصول على فُتاتٍ من هؤلاء، بل من أجل كرامتنا، التي تعرّضت وما زالت تتعرّض للانتهاك مرّةً من رئيس أمريكا دونالد ترامب وتارةً من رئيس فرنسا والحبل على الجرار.
***
ختامًا، وَجَب تذكير أنفسنا وتذكير الرئيس الفرنسيّ بمقولة الإمام على بن أبي طالب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا”، هذا الشعار أنشده فاروق الأمّة، عندما جاءه ذلك الرجل القبطيّ من أرض الكنانة، مصر، وهو يصطحبُ ولده، وقد رأى الخليفة في عينيهما، أيْ الوالد وابنه، ملامح الحسرة والألم لما لحِق بهذا الشاب اليافع من ألمٍ نفسيٍّ بالغٍ بسبب الاعتداء عليه والتطاول على كرامته. وبعد أنْ قامت الثورة الفرنسيّة على الظلم، ونُظّمت الاحتفالات والأفراح بنجاحها، ووضع قادة فرنسا بيانًا لثورتهم، قرأ خطيب الثورة الفرنسيّة “لافاييه”، البيان الأوّل للثورة وفيه: “يُولَد الرجل حرًّا ولا يجوز استعباده”. هكذا كُنّا، وهكذا نحن: مُتسامحون ومُعلّمون ومُرَّبون، ولسنا بحاجةٍ، لا لصكوك براءةٍ ولا لشهاداتٍ في الأخلاق، من قادة الغرب، ومن ماكرون تحديدًا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/10/29