الى اين يتجه الاتفاق النووي؟ للموت او للحرب؟
د. حكم امهز
تكثر الاسئلة حول مصير الاتفاق النووي مع فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الامريكية ومتغير الموقف الاوروبي الذي جاهر بالرافض لتعزيز ايران قدراتها العسكرية الدفاعية وبينها الصواريخ البالستية..
حتى تتوضح الامور للقارئ ، لا بد من وضع مواقف بايدن والاوروبيين بهدف الوصول الى خلاصات ونتائج دقيقة…
مواقف بايدن:
اكد بايدن استعداده للعودة للاتفاق النووي مع إيران، ولكن بشروط هي:
– إذا “احترمت طهران مجددا” القيود المفروضة على برنامجها النووي، ستعود واشنطن إلى الاتفاق.
– عودة واشنطن وإيران إلى الاتفاق “بالتشاور مع حلفائنا وشركائنا سنطلق مفاوضات واتفاقات متابعة لتشديد وتمديد القيود النووية المفروضة على ايران وللتطرق الى برامج الصواريخ” الإيرانية.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الرئيس المنتخب يريد توسيع الاتفاق النووي ليشمل الدول المجاورة لطهران كالسعودية والإمارات.
مواقف الاوروبيين:
قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، “إن الاتفاق النووي مع إيران لم يعد كافيا، ودعا إلى توسيعه ليشمل بشكل خاص البرامج الباليستية الإيرانية والدور الإيراني في المنطقة، مؤكدا أنه تفاهم بشأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي والبريطاني.
خلاصة المواقف الغربية، هي اعتبار ان الاتفاق النووي لم يعد قائما ويحتاج الى تعديل.. والتعديل لا يستهدف البرنامج النووي فحسب بل يتعداه الى اداخل القدرات العسكرية والنفوذ الايراني في المنطقة، في اي اتفاق جديد، بغض النظر عن الموقف الايراني الرافض مطلقا لتعديل اي حرف بالاتفاق….
ما يمكن استنتاجه، من ذلك ان الهدف الغربي هو اضعاف قدرات ايران الدفاعية وخصوص البالستية، وتحجيم نفوذها وتقليم اطافرها في المنطقة، وبعد نزع قوتها، يمكن تحقيق، الهدف الاستراتيجي الامريكي الاوروبي وهو ضرب ايران، واسقاط نظامها الاسلامي الداعم لحركات المقاومة في المنطقة والمناهض للاحتلال الاسرائيلي، كي تصبح المنطقة مسرحا للكيان الاسرائيلي الذي تنسحق امامه انظمة عربية باعت نفسها وشعوبها وثرواتها وسيادتها واستقلالها وفلسطين والامة كلها، للامريكي والاسرائيلي من اجل الحفاظ على عروشها لا اكثر…
ايران تدرك ذلك تماما، وهي حاسمة في عدم التخلي عن قدراتها الدفاعية مهما كلف الثمن اكرر “مهما كلف الثمن”.
ايضا تدرك واشنطن ومعها بروكسل، ان اي خيار عسكري ضد ايران، صعب جدا جدا، لاسباب ابرزها:
– قوة الايرانية العسكرية
– مشاركة محور المقاومة في اي حرب ضد ايران لان اي حرب ضدها، ستشكل تهديدا وجوديا لافرقاء المحور جميعا.
– اي حرب ستحول الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة تتساقط على الكيان الصهيوني والقواعد العسكرية الامريكية في المنطقة كالامطار، وبالتالي سيشكل ذلك خطر حقيقيا على الكيان والانظمة العربية التابعة له.
– جغرافية المنطقة، وتعتبر حساسة جدا ،كونها تمتد على مساحة كبيرة جدا، وتشكل نقطة وصل ما بين الشرق والغرب، ويسيطر المحور فيها بشكل مباشر وغير مباشر على الممرات والمواقع الهامة والاستراتيجية فيها.
ايران بدورها لا ترغب في الحرب ولا تريدها ولكن ان فرضت عليها، فهي مع المحور في جهوزية عالية جدا، لاي طارئ. وعليه تحاول ايران ايجاد منظومة عملية من التوزان يمكن ان تؤدي الى حل سلمي، يتمثل بمفاوضات شفهية بعيدة عن تعديل الاتفاق النووي، يمكن من خلالها ان تبدد هواجس الغربيين حول الاتفاق، وتؤمن لهم المبررات، بما يسمح لهم بالنزول عن الشجرة امام رأيهم العام. رغم ان ذلك ليس من مهمتها. فهي لم تخرج من الاتفاق النووي بل قلصت التزاماتها به بعد ان انسحبت واشنطن منه، وامتنعت اوروبا عن الوفاء بالتزاماتها حياله. وهي استفادت جدا من هذا التقليض الذي وفر لها، ان تحقق خلال اشهر ما كان يقيدها الاتفاق بتحقيقه في خمسة عشر سنة، لجهة نسبة التخصيب وانتاجه واجهزة الطرد المستخدمة..الخ..
ومع رفع الاوروبيين والامركيين سقف شروطهم، وضعت ايران معادلة قوية باقرار قانون( الاجراءات الاستراتجية لالغاء الحظر عن ايران)، ويمكن ان تصلح معادلة (عودة ايران الى بنود الاتفاق مقابل تراجع الغربيين عن مطالبهم الطارئة) للمقاضية مع هذه الشروط… وهكذا لا تكون ايران قد قدمت تنازلات، بل عادت الى الالتزام ببنود الاتفاق النووي وهو موقفها المعلن منذ البداية، اما الغرب فسيدد نفسه مجبرا على التنازل من خلال التراجع عن شروطه الجديدة، والعودة الى الاتفاق. لان لا خيارات امامه الا ذلك.
ومن صلب هذه المعادلة، جاء اقرار البرلمان الايراني ممثل الشعب، قانونا ( الاجراءات الاستراتيجية) الذي ايده مجلس صيانة الدستور ومجلس الامن القومي، والقاضي برفع نسبة التخصيب الى عشرين بالمئة، وزيادة انتاج اليورانيوم المخصب والتهديد بوقف العمل الطوعي بالبروتوكول الاضافي، ووقف عمليات التفتيش واعادة احياء العمل بمفاعل اراك للمياه الثقيلة وزيادة استخدام اجهزة الطرد المتطورة..
امام هذا الواقع، يمكن القول ان الاتفاق النووي سيستمر في موته السريري، لكنه لن يموت كليا، لان موته ليس في مصلحة الاطراف المعنية. والحل سيكون بتجزئة الملفات لكن ليس قبل عودة الغربيين الى تنفيذ تعهداتهم بالاتفاق النووي، وسيجد الغرب نفسه ملزما مجددا في خوض مفاوضات صعبة وشاقة تستمر لسنوات عدة، وتنتهي الى ما انتهى اليه الاتفاق النووي من نتائج صبت في مصلحة ايران. وفحوىهذه المفاوضات ستكون كالتالي، ان تصنيع الصواريخ البالستية التقليدية غير القادرة على حمل رؤوس نووية، سمح بها الاتفاق النووي لايران، والنفوذ الايراني امر ليس بمقدر الاتفاقات تقييده، كونه لا يرتبط بايران بل بحلفائها في المنطقة، ودعم قوى المقاومة والتحرر، يقع في صلب مبادئ الثورة الاسلامية الايرانية واحد اعمدتها الاسياسية، فعلى ماذا سيفاوض الغرب لسنوات اضافية ايران؟
اما الحرب فبحسب المعطيات هي الابعد في الاحتمالات القائمة كونها كموت الاتفاق النووي، ليست في مصلحة اي طرف. وان وقعت فلن تبقي ولن تذر، والكل يدرك ان نتائجها ستكون كارثية اقليميا ودوليا وخصوصا على الكيان الاسرائيلي والوجود ا لامريكي في المنقطة وعلى الانظمة العربية المطبّعة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/12/12