طلب السعودية الحصانة للامير بن سلمان: الحاكم العربي والحصانة الحقيقية والدائمة والمضمونة
عبدالسلام بنعيسي
أوردت تقارير صحافية أمريكية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تبحث طلباً سعودياً لتوفير الحصانة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الدعوى المرفوعة ضده أمام القضاء الأميركي من قبل ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري الذي يتهم فيها الأمير السعودي بإرسال فريق لاغتياله في كندا.
إذا كانت الرياض قد وجهّت فعلا طلبا للإدارة الأمريكية في هذا الشأن، فإن الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن هي: لماذا أقدمت السعودية على هذا الخطوة أصلا؟ وما هو الحافز من ورائها؟ أليست الأسرة الحاكمة في بلاد نجد والحجاز صديقة للأمريكان منذ ما يفوق القرن من الزمان؟ وإذا كان الجواب نعم، وهو كذلك، فلماذا تطلب هذه الأسرة الحصانة من أصدقائها الذين تجمعها وإياهم علاقات وطيدة تاريخيا؟ ألا يتعين أن تكون الحصانة متوفرة سلفا دون أن تُقدّم الرياض طلبا للحصول عليها؟؟
درجت الثقافة السائدة على إفادتنا بأن القضاء مستقلٌّ في أمريكا، فلماذا يتحاشى وليُّ عهد السعودية، الصديقة للأمريكان، مواجهة هذا القضاء المستقل، ويريد الحصول على حصانة في دعوى مرفوعة ضده أمامه؟ يفترض أن أي مسؤول سعودي لن يتردد في المثول أمام قضاء مستقل في دولة صديقة، ما دام واثقا من براءته، ومتأكدا من عدم تلفيق تهم ظالمة له هناك.
طلبُ الحصول على الحصانة لولي العهد السعودي قد يلقي ظلالا من الشكِّ حول براءته المفترضة من التهمة الموجهة إليه، بل إن هذا الطلب قد يؤكد هذه التهمة، في نظر خصوم المملكة العربية السعودية، ويخلق انطباعا لدى الرأي العام الأمريكي وصناع القرار فيه، بأن ولي العهد السعودي يبحث لنفسه عن صيغة سياسية، مُموَّهةٌ بغلاف قانوني، تحت مسمّى حصانة، للإفلات من تحمُّلِ تبعات تهمة محاولة اغتيال الضابط السعودي السابق سعد الجبري..
أمريكا دولة تقول عن نفسها إنها زعيمة العالم الحر، وعقيدتها هي الديمقراطية الليبيرالية التي تتحدَّدُ في كون السلطات الثلاث مستقلة عن بعضها البعض، فالسلطة القضائية مستقلة عن نظيرتها التنفيذية، والسلطة التشريعية مستقلة بدورها عنهما، لكن تدخُّلَ السلطة التنفيذية، ممثلة في الإدارة بواشنطن، للاستصدار تشريع يوفر لولي العهد السعودي الحصانة أمام القضاء، يعني أن الإدارة تتدخل في القضاء، وتضع أمامه الكوابح لتحول دونه واتخاذ التدابير القانونية التي قد يراها مناسبة ضد محمد بن سلمان، وهذا يضرب في الصميم الديمقراطية الأمريكية، ويصيب عدالتها واستقلاليتها في مقتل..
لسنا متأكدين من صحة التهمة الموجهة لولي العهد السعودي، لأننا لسنا قضاة، فالقضاء العادل هو وحده المؤهل للحسم في مثل هذه الملفات، ولكن لنتصور أن تهمة من هذا الصنف قد ألقيت على مواطن عادي، سواء كان هذا المواطن سعوديا، أو نيجيريا، أو باكستانيا، أو بلغاريا، هل كان سيفلت من المثول أمام القضاء ليقول في شأنه قوله الفصل؟ هل كانت الإدارة الأمريكية ستعطيه حصانة تجعله في منأى من الحضور إلى المحكمة للدفاع عن نفسه؟
ورغم ذلك، لا أمان في حصانة تُمليها الأغراض السياسية، فإذا سعت إدارة ترامب لتأمين الحصانة لمحمد بن سلمان، وتمكنت من توفيرها له، فبإمكان إدارة أمريكية أخرى بطاقم مغاير، ولأسباب تخصها، سحب هذه الحصانة واعتبارها غير قانونية ولاغية، وقد تدعو الرجل للمثول أمام القضاء بسبب نفس التهمة. حصانة أي إنسان، مهما علا شأنه، لا تضمنها له إلا براءته وقوته ومناعته.
الحصانة الحقيقية والفعالة والدائمة والمضمونة لحكامنا العرب، لا تُشترى بالأموال، ولا بالانصياع لأوامر وإملاءات القوى العظمى، والتفريط في السيادة، الحصانة لا يمكنها أن تأتي للحكام العرب إلا بحلحلة وضعهم الحالي المزري ، والتخلي عن تشرذمهم، واستبداله بالتفافهم حول بعضهم البعض، وتضامنهم على قاعدة عدم القبول بالرضوخ للهيمنة الصهيوأمريكية على منطقتنا، وإعادة الروح لفكرة الأمة العربية الواحدة، بقضيتها المركزية التي هي فلسطين..
الحصانة قوة مادية يكتسبها الحكام العرب من خلال القيام، المتسلسل والمتصاعد، بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية والعلمية اللازمة، وبإقرار الديمقراطية الفعلية التي تُؤمِّنُ مشاركة الشعب في تدبير شؤونه، ومراقبة ثرواته، والحصول على حقِّه منها، وفي توفير الشغل، والتطبيب، والتعليم، والسكن، وفي محاربة الفقر، والتهميش، واستئصال القمع والاضطهاد وتكميم الأفواه، وفي قطع دابر الفساد الذي ينخر الاقتصاد العربي..
دون ذلك، ستظل حصانة الحاكم العربي، ومعه البلد، مستباحة، وعرضة للخرق والهتك والابتزاز، في أي لحظة يريد خرقها وهتكها الحاكم في واشنطن، أو تل أبيب، أو باريس، أو لندن، وستظل أوطاننا تدور في حلقة مفرغة من الرضوخ لهذا الابتزاز الذي لن ينتهي، بل يتفاقم ويتغول من يوم لآخر..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/12/24