مناورات إيران العسكرية.. هل تلجم المواجهة؟
شارل أبي نادر
تحمل هذه المناورات أكثر من بعد سياسي واستراتيجي ويمكن وضعها في خانة الردع بمواجهة الأعداء والذي تحتاج إيران إلى إثباته بقوة نظراً إلى ما تتعرض له من تهديدات ضخمة.
صحيح أنّ إيران لم تتوقّف عن تنفيذ المناورات العسكرية منذ فترة طويلة، وربما أصبحت هذه المناورات في صلب استراتيجيتها الثابتة، وفي أساس تدريباتها وخططها وتجهيزاتها الروتينية، والتي تمثل عماد وحداتها المسلحة، ولكن لا يمكن إلا متابعة أبعاد وأسباب سلسلة المناورات الضخمة التي قامت بها أخيراً بشكل مختلف عن السابق، وخصوصاً تلك التي أجريت في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي والأسابيع الأولى من العام الحالي، فما هي أسباب هذه المناورات وأبعادها؟
تميّزت المناورات الإيرانية الأخيرة بما يلي:
الكثافة: لا يمر أسبوع أو عدة أيام من دون أن تعلن إيران عن مناورة ضخمة يظهر عند تنفيذها أنها حضّرت لها منذ فترة طويلة، نظراً إلى العدد الكبير من الوحدات المختلفة التي تشترك فيها، والتي تتبع للحرس الثوري أو الجيش الإيراني وأسلحته الأساسية الأربعة، البر والجو والبحر والدفاع الجوي، ونظراً إلى التجهيزات والعتاد والأسلحة التي يتم إشراكها فيها، بحيث يبدو أن مدة التخطيط والتحضير لها لا تقل عن عدة أشهر قبل التنفيذ.
نوعية الأسلحة: في متابعة لسلسلة المناورات الإيرانية الأخيرة، يمكن أن نستنتج أن عرض هذه المناورات يسير بشكل متدرج ومنظم، ويأخذ بعين الاعتبار إظهار جميع أنواع الأسلحة النوعية التي تمتلكها الوحدات العسكرية الإيرانية التابعة للجيش أو للحرس الثوري، وتحديداً أسلحة المعركة الحديثة التي أصبحت ثابتة وضرورية في معركة كل جيوش العالم المتطورة.
تضمنت هذه المناورات عرضاً لمميزات وإمكانيات هذه الأسلحة في المعركة، ومنها الصواريخ الباليستية والمجنحة الخاصة بالأهداف البحرية والبرية، والطائرات المسيرة المتخصصة بالرصد أو الانتحارية، والمسيّرات المتعلقة بالحرب الإلكترونية والسيبرانية، ومنظومات الدفاع الجوي، والطوافات والطائرات المقاتلة أو القاذفة، وقاذفات التغطية الجوية البعيدة، والمساندة للقوات البحرية، إضافة إلى القوات والقدرات البحرية، والتي ظهرت عدة قطع حديثة منها، وشكلت مفاجأة للمراقبين والمتابعين الدوليين، نظراً إلى الأهمية الرئيسية لسلاح البحر في الاشتباك الإقليمي والدولي حالياً في مواجهة إيران.
مكان المناورات: توزعت هذه المناورات على أغلب الجغرافيا الإيرانية، وسطاً وشرقاً وشمالاً وغرباً وجنوباً، وتم استثمار الطبيعة المتنوعة للجغرافيا الإيرانية عبر المناورة القتالية دفاعاً وهجوماً. وقد تم الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تعرض سيادة الدولة للخطر من كل الاتجاهات الممكنة، وفي مختلف الظروف الطبيعية والجغرافية.
طبعاً، كان للمنطقة الجنوبية والجنوبية الغربية - مضيق هرمز وخليج عمان وبحر العرب - القسم الأكبر من هذه المناورات، نظراً إلى حساسية تلك المنطقة وأهميتها الاستراتيجية والمستوى المرتفع من الحشد العسكري الخارجي بمواجهة إيران حالياً عبر هذه المنطقة.
في الواقع، تحمل هذه المناورات الإيرانية المكثفة حالياً أكثر من بعد سياسي واستراتيجي، ويمكن وضعها في خانة الردع بمواجهة الأعداء، والذي تحتاج الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى إظهاره وفرضه وإثباته بقوة، نظراً إلى ما تتعرض له من تهديدات وتحديات ضخمة حالياً.
أولاً: بعد المسار الإقليميّ الذي فرضته واشنطن و"إسرائيل"، ونتج منه تغيير غير بسيطٍ في وضعية العلاقة بين الكيان الصهيوني وكوكبة من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، أصبحت تلك الدول في خانة الحلفاء مع "إسرائيل"، ولم يكتفِ بعضها، كما يبدو، بالتطبيع معها، بل تطورت العلاقة إلى تكوين حلف معادٍ، وبشكل علنيّ، بقيادة "إسرائيل" لاستهداف إيران، وبصراحة لم تخفها تلك الدّول.
ثانياً: قرار دونالد ترامب الأخير بنقل "إسرائيل" من قيادة المنطقة العسكرية للوحدات الأميركية في أوروبا إلى المنطقة المركزية لهذه الوحدات في الشّرق الأوسط، وما يمكن أن يحمل في هيكليته من أخطار على إيران، حيث أصبح للوحدات العسكرية الإسرائيلية قدرة تنظيميّة على المشاركة مع الوحدات العسكرية لتلك الدول الخليجية، ومع الوحدات العسكرية الأميركية المتواجدة في تلك الدول، في مناورات قتالية متعددة المهام بين الدفاعية والهجومية أو التدريبية، وذلك مباشرة على تخوم سواحل إيران الغربية والجنوبية الغربية.
أمام هذا الواقع العسكري والاستراتيجي المستجد، والذي يشكّل قاعدة واسعة من الضغوط والأخطار والتهديدات الآنية المباشرة أو البعيدة الاستراتيجية، كان يفترض بإيران أن تُظهر ما تملكه من إمكانيات وقدرات وأسلحة ترسل عبرها رسائل ردعية دفاعية بشكل أساسي، واستباقية هجومية ببعدها الآخر، فكانت سلسلة المناورات الضخمة التي نفذتها في التوقيت والمكان المناسبين.
وأخيراً، قد يجد بعض المتابعين، وخصوصاً المتخصصين في تقدير ومقارنة إمكانيات الأسلحة والقدرات العسكرية، أن ما أظهرته إيران من أسلحة وإمكانيات في الأسابيع الأخيرة، رغم حقّها السيادي في ذلك ومشروعية مناوراتها استناداً إلى القوانين الدولية، ورغم ضخامته والمستوى العالي الذي اتسم به على صعيد الأسلحة النوعية الحديثة، سيبقى بعيداً نوعاً ما عن القدرات العسكرية التي تواجهها في منطقة الاشتباك والمواجهة الحالية، وخصوصاً القدرات الأميركية والإسرائيلية، والتي لا يمكن لأحد، وخصوصاً إيران، أن ينكر مستواها، ولكن يبقى القرار بالمواجهة والالتزام بالدفاع عن السيادة والأرض والحقوق والثروات الوطنية والقرار الحر، والذي لطالما ميَّز معركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوجودية، النقطة الفاصلة والحاسمة في تلك المعركة أو المواجهة الاستراتيجية.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2021/01/20