اليمن: حرب إقليمية وليست محلية.. وهذه هي مقاربات الحل في صنعاء والرياض وواشنطن
طالب الحسني
على ضوء التصريحات الأخيرة للجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة الوسطى للجيش الأمريكي للقناة اللبنانية LBCI وإدانته للهجمات اليمنية على السعودية واعتبارها عدوانا، فإن واشنطن لا تزال تسحب الأزمة في اليمن على خط الصراع مع إيران ، وهذه مقاربة خاطئة وتضع ألف عقدة أمام الوصول إلى مفتاح الحل والخروج من الحرب التي تشارف وبعد أيام معدودة 26 مارس الدخول في العام السابع.
إدارة بايدن كانت تعتقد أن بإمكانها تجميد هذه الجبهة اليمنية الملتهبة تمهيدا لاحتوائها فور الإعلان عن إيقاف دعم الولايات المتحدة الامريكية للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية بدعم منها وفشلت في الحسم العسكري أو حتى السياسي رغم هذه السنوات الست التي كانت مفتوحة لكل ما يحتاجه التحالف من تغطية عسكرية ولوجستية وسياسية ، لكنها أي الادارة الامريكية أن الذي حدث هو الذهاب نحو التصعيد بما في ذلك وصول الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية إلى أهم محطات ارامكو السعودية على الإطلاق في منطقة الدمام أقصى شمال المنطقة الشرقية ، علاوة على استمرار الزحف نحو استعادة مارب آخر معاقل “الشرعية المزعومة ” والتواجد السعودي في شمال اليمن ، وهي إشارة يمنية واضحة أن مقاربة صنعاء لا تتأثر بالتوجه الأمريكي ان كان ” إيجابي ” أو سلبي طالما وأنه لا يصل إلى إيقاف فعلي للعدوان ورفع الحصار.
كبير المفاوضين اليمنيين محمد عبد السلام وضع النقاط على الحروف عقب جولة المبعوث الأمريكي ليندركينغ إلى العاصمة العمانية مسقط ، بشأن الحوار غير المباشر الأول ، حين قال أن الورقة التي حملها المبعوث الأمريكي تتضمن شروط السعودية للحل السياسي ، وأبرز هذه الشروط ما يمكن أن يعتبر تنظيم الحصار وليس رفعه وإيقاف الغارات والطلعات الجوية ، مقابل توقف العمليات العسكرية باتجاه مارب ، وهذا سقف محدود وتبسيط غير واقعي لما يجب أن تقف عليه المفاوضات السياسية ، ولعل تصريحات ليندركينغ التي أعقبت الزيارة وبدت منحازة بشكل كبير للسعودية توشي فعلا أن ما بجعبة البيت الأبيض بالنسبة للحرب على اليمن ليست جديدة ، على خلاف ما كان يجب أن يكون ، وبالتالي فأن استمرار الطلعات الجوية والغارات التي ينفذها التحالف أحد المؤشرات أن الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية التي تنفذها السعودية لا يزال مستمر ، وأن مواصلة حجز السفن التجارية والانسانية والنفطية ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة مؤشر آخر على مواصلة البيت الأبيض تطبيق الاستراتيجية نفسها في اليمن دون تغيير رغم الإعلان الأمريكي ، وما حصل هو تبديل الدور ونقل المشاركة الأمريكية من المباشر إلى غير المباشر صوريا.
العقد التي تقف أمام الحل السياسي في اليمن والتي يجب أن تتفكك أولا تقوم على التالي:
– سحب الحرب على اليمن باعتبار أنه جبهة من جبهات الصراع الامريكي والسعودي والاسرائيلي مع ايران وبالتالي الانتظار لأي تسوية امريكية إيرانية في المنطقة.
– استمرار توصيف ما يجري على أنه نزاع يمني يمني داخلي وأن “الأطراف” المحلية هي التي يجب أن تجلس على طاولة المفاوضات وأن تلعب السعودية والولايات المتحدة الأمريكية دور المشرف على المفاوضات على غرار ما حصل في العام 2012 عندما تم تقديم ما يعرف بالمبادرة الخليجية.
– تشكيل خارطة سياسية في اليمن تضمن بقاء هذا البلد ضمن المربع الأمريكي الخليجي وإعطاء دور هامشي للقوى التي تناهضه ودون الاعتراف بالمتغيرات الكبيرة التي حصلت خلال العقد المنصرم.
هذا التصور المبني على النقاط الثلاث المذكورة يستحيل أن يكون أرضية صالحة للحل السياسي الشامل و الكامل والدائم ، فالطرف القوي ميدانيا وسياسيا وشعبيا وأقصد هنا المنظومة الحاكمة في العاصمة صنعاء وتتألف من أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام والأحزاب السياسية الحليفة بالاضافة إلى القبائل، يدرك جيدا أن السماح بإعادة تشكيل اليمن سياسيا عبر القوى الإقليمية والدولية هو بمثابة تصفير العداد والعودة إلى نقطة الصفر ووضع اليمن مرة أخرى السكة الامريكية السعودية وهو ما لا يمكن أن يحدث ، ولا يتطابق كليا مع نتائج الحرب العدوانية الكونية التي جرت وبالتالي المقاربة اليمنية للحل السياسية تقوم على المرتكزات التالية:
-إيقاف الغارات الجوية وكل أشكال العمليات العسكرية وإخراج القوات الأجنبية من جنوب اليمن بما في ذلك جزيتي سقطرى وميون اليمنيتين.
-رفع الحصار البحري والجوي وفتح المطارات المدنية.
– المفاوضات يجب أن تكون بين اليمن وبين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية برعاية الامم المتحدة، إذ أن الحرب ليست داخلية بل إقليمية وبين الجمهورية اليمني والتحالف الذي تقوده السعودية وأن توصيف ما يجري في اليمن باعتباره نزاع داخلي غير دقيق، فالاطراف المحلية التي تعد جزءا من الحرب هي أدوات وظيفية ويتم استخدامها.
هذه النقاط ليست شروط المنتصر فقط ، فهي واقعية لدرجة كبيرة جدا ، فمن غير المنطقي أن نقول الحرب محلية بينما كل غرف عمليات التحالف والقواعد العسكرية التي ينطلق منها خارج الاراضي اليمنية ، فهي إما في على الاراضي السعودية أو من خلال قواعد تابعة للسعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في جيبوتي واريتريا والصومال، علاوة على أن القوات السعودية والاماراتية وبعض القوات البريطانية والأمريكية في المدن والجزر اليمنية في المحافظات الجنوبية تحولت إلى قوى استعمارية وقوات احتلال ، وبالتالي فإن المواجهات ببعد إقليمي وليس محلي.
النقطة الأخرى وهي مهمة ومفصلية، أن الأطراف المحلية التي تعتبرها واشنطن والرياض وحتى الأمم المتحدة هي الجهة المقابلة لصنعاء، أطراف يتم استخدامها ولن تكون موجودة خلال اسبوع فقط إذا توقف التحالف السعودي الأمريكي عن دعمها واسنادها، وهي ايضا لا تملك القرار بصورة مستقلة ، فضلا عن الانقسامات والخلافات والتباينات الموجودة داخلها، وبناءا على هذا الواقع فإن المفاوضات والحلول السياسية يجب أن تكون اقليمية وليس محلية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/03/17