ما مصلحة دولة الإمارات في هذه العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل؟
د. عبد الحميد فجر سلوم
لا يبدو أنّ هناك مُحرّمات في علاقات دولة الإمارات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.. فقد وصلَ الأمر بسفير دولة الإمارات في إسرائيل إلى توجيه تهنئة في يوم اغتصاب فلسطين، وكتب فيها ( أتمنى لمواطني دولة إسرائيل عيد استقلال سعيد) ..
وهكذا يوم اغتصاب فلسطين أصبح لدى دولة الإمارات هو يوم استقلال إسرائيل، في تحدٍّ لكافة المشاعر العربية والإسلامية في العالم..
**
لم يكن اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل في 13 آب 2020 مُجرّد تبادُل للعلاقات الدبلوماسية وافتتاح السفارات.. بل كان أبعد من ذلك بكثير، وهذا ما يتكشّفُ اليوم..
هذه العلاقة أخذت وبسرعة طابع التحالف وبدا وكأنّ الدولتين في جبهةٍ واحدةٍ، ولكن ضدّ من؟. أحيانا نقرأ أنهُ ضد إيران وأحيانا ضد تركيا، وأحيانا ضد إيران وتركيا معا.. وأحيانا ضد حركات الأخوان المسلمين كما ” حماس” وداعميها..
ولكن ما هي مصلحة أبو ظبي في أي تحالُف مع إسرائيل بينما ما تزال تحتل الأراضي الفلسطينية ولا تعترف بإقامة دولة فلسطينية، وما زالت تحتلُّ الجولان السوري ولا تعترف بأنهُ سوري، وتقوم بالاعتداءات على سورية بشكلٍ دائمٍ؟.
أيْ ما هو هدفُ دولة الإمارات بالتحالُف مع دولة عدوان واحتلال، واغتصاب للمقدسات، كما دولة إسرائيل، وهي لا تملك حدودا مع إسرائيل؟.
هل هذا قرارٌ إماراتيٌ خالصٌ أم أن الأمر مفروضٌ على دولة الإمارات؟.
**
في زمنٍ قياسيٍ تم التوقيع بين الدولتين على اتفاقات عديدة دبلوماسية وتجارية ومصرفية وملاحية ولوجستية وتكنولوجية وزراعية وسياحية وصحية وعلمية وجوية ودفاعية..الخ.. 3.10.2020
وهذا لم يحصل بين إسرائيل ومصر خلال كل زمن التطبيع منذ عام 1979 ، أو مع الأردن منذ عام 1994 ..
نتنياهو قال عن هذه الاتفاقات أنها ستوحِّد السلام الدبلوماسي مع السلام الاقتصادي، وستضخُّ المليارات في اقتصاد إسرائيل من خلال الاستثمارات..
**
أبو ظبي تبدو وكأنها امتدادٌ لإسرائيل في الخليج وتستفزُّ إيران، ومدينة دُبي مُتّهمة أنها مركزٌ حيويٌ للموساد الإسرائيلي، منذ زمنٍ وليس حديثا، ومنها يتمُّ التخطيط للنشاطات والتآمر في المنطقة الخليجية وما وراءها.. وتنخرط (أبو ظبي) في صراعات شرق المتوسط على النفط والغاز إلى جانب إسرائيل واليونان وقبرص، وهي بعيدة عن المتوسط، ويشارك أنور قرقاش، مستشار رئيس دولة الإمارات، في اجتماع في بافوس في قبرص إلى جانب وزراء خارجية إسرائيل وقبرص واليونان.. ويعقد لقاءً خاصا مع الوزير الإسرائيلي، ويعقد معه مؤتمرا صحفيا مشتركا يوجِّهُ لهُ فيهِ التحيات، ويصفُ العلاقة مع إسرائيل بالإستراتيجية .. فهل يأتي على ذكر الانسحاب من الجولان وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس؟.
كانت التصريحات في السابق أن التطبيع مع إسرائيل سيؤدّي إلى تجميد قرار الضم في الضفة الغربية، وسيساهمُ في الإسراع بتحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية، والانسحاب من الجولان، ولكن لا تبدو هناك أية معالم لأيٍّ من هذه..
**
ما هدفُ أبو ظبي بالانخراط في مناورات عسكرية إسرائيلية يونانية في المتوسط بشكلٍ دائمٍ، بينما اليونان أكبر حليف لإسرائيل، وعقدت معها اتفاقات عسكرية هائلة في شتّى الميادين تعودُ على إسرائيل بأرباح هائلة، وشاركت في مناورات عسكرية في النّقب إلى جانب القوات الإسرائيلية قبلَ سنوات، ووقّعت معها مؤخّرا على اتفاق خط أنابيب لنقل الغاز إلى أوروبا، ووصفهُ نتنياهو بأنهُ سيحوِّل إسرائيل إلى قوة عظمى.. فهل تتطلع أبو ظبي لأن ترى إسرائيل قوة عُظمى؟.
**
حينما تأجّلتْ زيارة نتنياهو لأبو ظبي يوم 11 آذار 2021 ، بسبب خِلاف مع الأردن نتيجة إشكالٍ عابرٍ بينهما، سُرعان ما تمّت تسويته، اتّصلَ نتنياهو مع ولي عهد أبو ظبي، وبعدها صرّح قائلا: (لقد تحدّثتُ للتّو مع محمد بن زايد، وهو زعيم عظيم، واتّفقنا على ثلاثةِ أمور: أولا، القيام بزيارة قريبة جدا، ثانيا، دفعُ جواز السفر الأخضر بين إسرائيل والإمارات قُدُما، وثالثا، وهذه هي أخبارٌ مُهِمّة جدا بالنسبة لمواطني إسرائيل(حسب وصف نتنياهو) الإمارات تنوي الاستثمار في مشاريع مختلفة في دولة إسرائيل وبوسائل متنوعة مبلغا طائلا يُقدّرُ بـِ 10 مليارات دولار..
والسؤال: هل يكفي إرسال أبو ظبي لبعض المساعدات الغذائية والدوائية، وكَرَاتين التّمر بمناسبة شهر رمضان، إلى هنا وهناك من العواصم العربية أو الإسلامية، للتغطية على كل ذلك؟.
وماذا إن تحسنّت العلاقات بين تركيا ومصر، وبين تركيا والسعودية، وهي في طريقها إلى ذلك، رغم أن تركيا تحتل مساحات واسعة في شمال سورية، فكيف سيكون موقف أبو ظبي؟. بل ألَا تسعى أبو ظبي ذاتها لتحسين علاقاتها مع تركيا المُعتدية على سورية؟. هل سيبقى حينها الهدفُ هو إيران فقط؟.
**
مشاعري القومية والعروبية لا تسمحُ لي أن أكون إلا في صف العروبة، وفي صفِّ الشعوب العربية، ودوما أُفرِّقُ بين الأنظمة والشعوب، ولكن بتقديري الشخصي، زعامةُ الإمارات تُغامرُ كثيرا، وأتمنى أن لا يهدموا شيئا مما بنوهُ على مدى أكثر من نصف قرن.. لاسيما أنني عشتُ سنوات في دولة الإمارات حينما كنتُ في سفارة بلادي، ودخلتُ قصورهم في مناسبات عديدة، وكُرِّمتُ في مضافاتهم، التي جسّدت روح الكَرَم العربي الأصيل، والقهوة العربية المُرّة ورائحةُ البخُّور، ورأيتُ من الشيوخ كل التواضُع، الذي يفتقدُ إليهِ مسؤولي بلادي، وفي مقدمتهم رئيس الدولة الشيخ خليفة، وولي العهد الشيخ محمد، وأشقائهِ، وحاكم دُبي.. وأنا هنا لا أمتدح وإنما اصفُ ما عشتهُ ولاحظتهُ.. ولذلك أتمنى على ذوي الشأن في الإمارات أن يُخفِّفوا الوطء في طريق السير نحو إسرائيل، لأنّ هذه تطمعُ أولا في أموال وثروات الإمارات وخلقِ الفِتن.. وهذا لا يُخفيهِ الإسرائيليون أنفسهم..
**
أعرفُ مدى كراهيتهم لإيران وانعدام الثقة بها لديهم، ومدى حساسيتهم من سورية بسبب علاقتها مع إيران، وهذا سمعتهُ عن لسان وزير الخارجية الشيخ عبد الله في 2005 حينما استضافَ الراحل وليد المعلم على مائدة الإفطار( وكان حينها نائب وزير الخارجية) وكنتُ برفقتهِ كوزيرٍ مُفوّضٍ بالسفارة، ولكن هل هذا يُبرِّر لأبو ظبي إقامة تحالُف استراتيجي مع هذه الدولة العدوانية التي ما زالت مُحتلّة للجولان وفلسطين ومُقدّسات العرب والمُسلمين؟. أليسَ في ذلك استفزازا للمشاعر؟. وأليس في ذلك مزيدا من التوتر في منطقة الخليج؟.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/04/25