العراق مصدر خلل كبير في صراعات الإقليم
د. وفيق إبراهيم
العراق واحد من أهم البلدان الرابطة بين جزيرة العرب وبلاد الشام، لكن الاحتلال الأميركي لمناطقه الوسطى والتركية لجهاته القريبة من كردستان والنفوذ الإيراني لأنحائه الجنوبيّة، ونجاح الأكراد في تكوين مناطق مستقلة لهم، جعله ضعيفاً لا يستطيع صرف نفوذه الكبير، فبدلاً من نسج علاقات له هامة مع سورية ودحر الأميركيين والسيطرة على كردستان ووضع حد للنفوذ الإيراني، نراه ضعيفاً يحاول الحشد الشعبي فيه تأمين أدوار سياسية من خلال النفوذ العسكري، لكنه يعجز عن ذلك تاركاً للسعودية إثارة خلل في المناطق الوسطى وسامحاً للأتراك لعب أدوار واسعة لا يستحقونها أبداً.
بذلك يتضح كيف أن كل هذه الاحتلالات التركية الأميركية والدور الإيراني تحوّل هذا البلد الذي يفترض ان يكون الأقوى بدءاً من اليمن وحتى سورية، إلى مدى لصراعات أميركيّة – إيرانيّة يستفيد منه الأتراك لتأمين سيطرة إضافيّة له.
ماذا يجري في أرض السواد؟
هناك صراع أميركي – إيراني عنيف جداً تستعمل فيه كل أنواع الأسلحة، وخصوصاً طائرات الدرون والمسيرات مع إطلاق صواريخ كاتيوشا تصيب في معظم الأحيان القواعد الأميركية في فكتوريا والحدود مع سورية والمراكز الأميركية في بغداد. وهذا فرض على الأميركيين عرض مبالغ بين 5 الى 10 ملايين دولار لمن يكشف عن هوية مطلقي الصواريخ أو عرض معلومات واضحة.
الإيرانيون من جهتهم ينفون أي دور لهم حول هذا القصف، لكن المعلومات الوثيقة تربطهم بها، وتتهم الحشد الشعبي العراقي بإطلاقها، علماً ان هذا الحشد هو حليف للإيرانيين ومتمكّن عسكرياً ويسيطر على القسم الأكبر من المناطق الوسطى والمحاذية لكردستان.
لذلك يجب ربط هذا القصف بالصراع الإيراني العراقي في قتال مكشوف يعتقد الخبراء انه مقدمة لسلسلة انسحابات أميركيّة من العراق وقد تشمل أفغانستان والسعودية ومناطق أخرى.
الأميركيون اذاً بوارد البقاء في كردستان والانسحاب من باقي انحاء العراق لكنه لن يفعلوا ذلك الا بعد تسوية عدة مواضيع أساسية، حيث لا يستطيعون التخلي عنها وهي شرقي الفرات في سورية والسعودية واليمن، فهذه قضايا تتصل بالنفوذ الأميركي في كامل الشرق الأوسط وتحفظ لهم نفوذهم في شبه جزيرة العرب.
لجهة شرقي الفرات فهي متصلة بالعراق وتمسك بسورية بشكل تبقى فيها المصالح الأميركية الأساسية، فهذا الشرق يمنع سورية من التحوّل الى قطاع روسي وتمنع التمدد التركي وتجعل الأكراد ورقة في يد الأميركيين للاستعمال في كل وقت.
كما أن باستطاعة البنتاغون الأميركي استخدام القاعدة وداعش لضعضعة الدولة السورية في الشرق وصولاً الى بعض أنحاء الغرب. لأن الأميركيين يعتقدون ان إعادة بناء دولة سورية مسألة مرجأة حتى إشعار آخر وهو الأوان الذي يسمح فيه الأميركيون التأثير على الحلف السوري – الإيراني ومنعه من أداء صراعات في لبنان والعراق مع مواجهته “إسرائيل” ومكافحة الدور الأميركي في بلاد الشام، ولا يمكن نسيان الدور الأميركي في اليمن وهو الذي يربط بين بحر عُمان وبحر إيلات سامحاً للأساطيل الأميركية بالعبور من دون مضايقات.
يمكن الاستنتاج أن العراق الحرّ له دوران يمنيّ وسوريّ، لأنه يستطيع نسج تحالف مع سورية وبوسعه دعم اليمن بالسلاح والمال ما يؤدي الى زعزعة الحركة الأميركية – السعودية والسماح بنهوض الحلف السوري – العراقي الذي يستطيع جذب حزب الله متكئاً على دعم إيراني كبير. ومثل هذا الحلف قادر على حشر الدور الأميركي في زوايا ضيقة والتأثير على الدورين السعودي والإماراتي ضمن إطارات هامشية.
لذلك فهذه هي الأسباب التي تفرض على الأميركيين الاستمرار في احتلال العراق او القسم الأكبر منه، واللعب على الدور الكردي وحماية السعودية والإمارات بأي وسيلة لأنهما مصدر اساسي للاقتصاد الأميركي.
الصراع الأميركي – الإيراني الى أين؟
لن تسكت إيران فلديها الحشد الشعبي العراقي القادر على إحداث قصف صاروخي دائم للقواعد الأميركية وذلك عبر التمسك بالهوية العراقية واستعداده لتحرير العراق، ويبقى الحلف السوري – العراقي هو الأداة الوحيدة القادرة على بناء عصبية عربية قوية قد تستعين حيناً بإيران، لكنها لديها من الحيثيات ومصادر القوة ما يجعلها قادرة على حشر الأميركيين في زوايا ضيقة جداً مع التأثير على السعودية والإمارات مع الاستعداد لقتال “إسرائيل” بدعم إيراني.
فماذا يفعل الأميركيّون؟ يحاولون بناء نظام سياسي عراقي موالٍ لهم أو يشكل واسطة العقد بينهم وبين الإيرانيين.
لذلك فالعراق ذاهب الى تصعيد كبير بمشاركة سعودية وإماراتيّة، لكن القوة العراقية تبقى أكثر صلابة بالتفاهم مع الأكراد.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2021/06/12