أفغانستان ورقة أميركية لعرقلة روسيا وإيران ودول أخرى!
د. وفيق إبراهيم
تتدحرج منظمة طالبان الأفغانية على قسم كبير من مساحات بلادها، ويعتقد الخبراء الدوليون انّ الأميركيين منفردين هم المستفيدون الوحيدون من هذه التمدّد الطالباني، لكن خبراء آخرين يرون انّ ما يجري هو خطة لخدمة السياسات الأميركية للرئيس الأميركي الجديد بايدن الذي يريد تركيب خطته العالمية الجديدة على أساس ان الصراعات العالمية متجهة الى تصعيد خصوصاً بين أميركا والصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة، هذا بالإضافة الى صراعات داخل منظمة التعاون الاسلامي.
هذا الوضع ناتج عن الف سنة من صراعات بين محتلين إيرانيين واسلاميين وعثمانيين وانجليز وروس وأميركا، حاولوا احتلال افغانستان بالتدرّج وخسروا بالتدرّج لكنهم استمروا بمحاولة استعمالها بخناجر لتعطيل القوى الحدودية لأفغانستان التي يسمّونها «سقف العالم» لمناعتها التاريخية.
بالطريق نفسها تعود طالبان الى مسرح الصراعات العسكرية والسياسية في بلادها أفغانستان، هنا يقول الخبراء انّ السياسات الأميركية هي التي تدفع بهم الى وضع اليد على أفغانستان لإلغاء الهيمنة الروسية والإيرانية فيما يرى آخرون انه سياسة أميركية مغطاة بعاملين: ايديولوجيا الاسلامية الوهابية بتحريض سعودي، هذا بالإضافة الى سياسات الثروة النفطية السعودية الأساس.
إذاً يصاب العالم بدهشة انه بعد عقدين من احتلال أميركيين لأفغانستان… يعلن البيت الأبيض عن اتفاق توافق افرقاؤه على تطبيقه ويقضي بانسحاب القوات الأميركية من «سقف العالم» ورعاية قطرية – سعودية لطالبان سياسياً مع تمويل مادي كبير.
فلماذا كان هذا الاحتلال الأميركي اذا كان التخلي عنه بمثل هذه السهولة من المحتلّ؟
فسرعان ما يجيب المحللون ان الوضع الدولي اختلف مع مجيء بايدن، أيّ أنّ أفغانستان صديقة قطر والاخوان والسعودية تستطيع ان تعرقل عمل روسيا وإيران بالحد الادنى، وتضع ساتراً إسلامياً من ماركات سعودية وهابية بدعم أميركي وهذا يؤدّي على الأقل الى إقفال مسالك إيران وروسيا نحو هذه المنطقة من العالم الاسلامي.
لكن الخلاف داخل منظمة التعاون الاسلامي انكشف على الموضوع وتبيّن انّ الدعم السعودي بخلفية أميركية كبيرة لا يريدون دوراً للأتراك في قندهار، لأنّ السعودية مصرّة على تزعّمها للعالم الإسلامي بدعم أميركي سري لكنه لا يخفي على اللبيبين، فحاجة واشنطن الى دور طالباني بدعم سعودي – إسلامي هو ما يبحث عنه الأميركي للعودة الى الإمساك بالعالم الاسلامي من خلال الوصاية السعودية.
هنا لا بدّ من الإشارة الى انّ الأميركيين يعتقدون ان بإمكان أفغانستان بقيادة طالبان أن تلعب دوراً اسلامياً عالمياً يكبح بعض التقدّم الإيراني كما انّ بوسعها تقديم أدوار وإعادة توزيعها على القوى الاسلامية المنتشرة. فهذه المنطقة تسرع للالتقاء بعالم إنتاج الغاز في قطر وإيران وسورية ويقول الخبراء انّ صحراء الربع الخالي السعودي مفعمة بالغاز حتى الثمالة وهذا يؤدي الى إسناد القيادة في إنتاج الغاز مع مواقع إنتاجه المتميّز في شبه جزيرة وبلاد الشام ومصر وإيران.
هنا يبدو واضحاً انّ الأميركيين يحاولون عرقلة روسيا اكبر منتج للغاز وأكبر بائع له في أوروبا وتركيا.
سياسياً يعمل الأميركيون على كبح إمكان نجاح حلف ثلاثي صيني روسي إيراني في لعب دور متميّز في العقد المقبل على اساس السيطرة الكبيرة من قسم وازن من إنتاج الغاز، وهذا جزء سياسي يعمل الأميركيون على نسفه بأيّ طريقة كانت لأنه شديد الخطورة على صلابة التمدّد الأميركي العالمي.
وسرعان ما يتبيّن انّ الغاز في العقد المقبل هو سياسة واقتصاد وصولاً الى حروب متوقعة.
لجهة العالم الإسلامي فإنّ الدور الأميركي فيه يصبح أسهل مع عرب يمسكون بأكبر كميات من إنتاج النفط وغاز يمتلك العالم الإسلامي معظم دوله، ما يجعل من الدول المنافسة غير الإسلامية مجرد جمهور من المتفرجين سرعان ما يتسلّلوا الواحد تلو الآخر للرحيل الى الصين اقتصادياً وروسيا عسكرياً وإيران صاحبة الموقع المهم والمسيطرة بدورها على غاز ونفط بكميات كبيرة.
هل نحن أمام عصر أميركي جديد؟ يعتقد الخبراء انّ واشنطن تعمل على بنائه لكن صراعها مع الأوروبيين واليابان هو من العناصر الداعمة للدور الروسي الصيني الإيراني ما يؤدي الى إعادة موارد الثروة في العالم.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/08/17