دحر سياسة التخويف
منصور الجمري ..
انتخابات لندن لمنصب عمدة المدينة قبل أيام أوضحت كيف يمكن دحر «سياسة التخويف» التي يستخدمها سياسيون من أجل الحصول على دعم الناس (في الانتخابات أو في زيادة الإنفاق على الأمن والدفاع، أو القبول بتجاوز حقوق الإنسان، إلخ) وذلك من خلال بث الخوف والرعب من شخص أو فئة أو جماعة أو أتباع دين أو طائفة. هذه السياسة تعول على تهديد الناس في مستوى رفاهيتهم أو أمنهم، واستثارة ردود أفعال عاطفية قوية تتجاوز التفكير العقلاني وتمنع التقييم والنقد المضاد.
في انتخابات لندن، طرح اليمينيون (من النخب السياسية والإعلامية) مصطلحات لإرعاب الناخبين في لندن، من أنهم سيُحوِّلون لندن إلى «لندنستان» إذا انتخبوا صادق خان، بل إن بعضهم نشر عنوان «لندن سقطت» London Has Fallen، وذلك لتخويف الناس. ولكنّ ردّة الفعل كانت معاكسة ولم يسمح الناخبون لأنفسهم بأن يُصبحوا ضحايا لسياسة التخويف، بل وقلبوا الموجة عبر السخرية اللاذعة، وحوّلوا عنوان «لندن سقطت» إلى هاشتاق على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» انهالوا من خلاله بالنكات على مَن أطلق هذا التخويف أو روَّج له.
كانت إدارة جورج بوش الابن قد استخدمت سياسة التخويف بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 (في نيويورك وواشنطن) للحصول على دعم الناس وعلى تمويل غزو العراق، وللسماح بتعذيب المشتبه بانتمائهم لمنظمات إرهابية، ولاعتقال المشتبه بهم في الطائرات وتعذيبهم في مطارات حول العالم، إلخ. كما قامت حكومات في مختلف أنحاء العالم بإجراءات مشابهة، واستهدفت كلّ حكومة الفئات التي تعتبرها عدوّة لها، ورخّصت لنفسها أن تمارس ما تشاء ضد المعارضين، وتلبيسهم تُهَمَ الإرهاب، واستخدمت الكثير من الحكومات «سياسة التخويف» لفعل ما تشاء.
نتيجة ما قامت به إدارة بوش الابن، وما قامت به حكومات عديدة، هو انتشار ظاهرة الإرهاب أكثر، وبروز منظمات أكثر خطورة من السابق، وانهيار أنظمة في بلدان كانت مستقرة، واهتزاز الأمن والاستقرار في بلدان عديدة، وخسارة الثروات والأموال في تمويل إجراءات ومتطلّبات القمع، وفي النهاية لا يربح أحد سوى فئة قليلة من الذين يُروِّجون لأفكار الكراهية، ويتاجرون بالأزمات والحروب والقتل والدمار.
كلمة عمدة لندن الجديد، صادق خان، بعد فوزه كانت جميلة؛ إذ بدأ بشكر الناخبين ثم قال «اليوم كان انتصاراً رائعاً للأمل على الخوف، وللوحدة على الانقسام»... نعم إنّ الأمل هو الذي يهزم الخوف، والوحدة هي التي تهزم الانقسام في المجتمعات، فليس كلُّ المسلمين إرهابيين وسفاكي دماء، بل إنّ منهم من يتمكّن من الفوز بثقة الناخبين في مدينة عالمية.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/05/08