حملة الاستغناء عن البترول.. وإبقاؤه تحت الأرض
انور أبو العلا ..
نشطت مؤخراً (في مؤتمر باريس للمناخ) جماعة نشطة تدعو إلى الاستغناء عن الوقود الاحفوري (البترول، والغاز، والفحم) وتطالب بترك 80 % منه مدفونا تحت الأرض.
هذه الحملة قوية ونافذة وتلاقي مناصرة قوية ونافذة من جهات قوية ونافذة تدير الحملة من وراء الستار لكن العقبة الوحيدة التي تقف سدا منيعا في طريقها هو عدم وجود بديل للبترول وبالتالي الاستغناء عن البترول سيؤدي إلى شلل الحياة الاقتصادية شللا كاملا من مشرق الشمس إلى مغربها.
من ضمن نشاطات الحملة أنها وضعت موقعا الكترونيا لتوقيع الناس من شتى أنحاء الكرة الأرضية تدعوهم إلى تأييد دعوتهم بإبقاء 80 % من الوقود الاحفوري مدفونا تحت الأرض، وشعار الحملة هو 350 (ترمز لنسبة الكربون التي يجب عدم تجاوزها للمحافظة على سلامة الأرض).
السؤال هو: هل المملكة تأخذ هذه الحملة على محمل الجد؟ نعم نحن أخذناها على محمل الجد أكثر كثيرا مما يتوقعه أصحاب الحملة (كما سأوضح أدناه) ونحن من حقنا أن ترتعد فرائصنا فالبترول بالنسبة لنا بوضعنا الحالي لا زال لقمة العيش الذي نعيش على إيراداته.
أوّل ردات أفعالنا على حملة الاستغناء عن البترول هو الخطاب التاريخي لمعالي المهندس علي النعيمي (أطال الله عمره) الذي ألقاه مؤخرا في مؤتمر CERA Week حيث أراد معاليه أن يكون خطابه بمثابة رسالته للعالم بأن المملكة بريئة من الصورة التي ترسّخت في أذهان الناس بأننا الدولة الوحيدة في العالم التي تعارض توصل العالم إلى اتفاقية تحمي الإنسان من خطر ارتفاع حرارة المناخ فأعلن معاليه لأول مرة على رؤوس الأشهاد قائلا: For record (فليشهد التاريخ) بأن المملكة تعترف بتهديد تغير المناخ لحياة الإنسان فكانت المملكة من أوائل الموقعين على اتفاقية المناخ منذ بداياتها وستستمر المملكة في تعاونها مع بقية دول العالم باتخاذ جميع الإجراءات التي تؤدي إلى التقيد بتنفيذ ونجاح الاتفاقية.
لقد قال معاليه هذه العبارات وهو يرد بحماس وقلق على سؤال دانيال يرقن (رئيس سيرا ومدير الحوار) عندما سأله عن شعور معاليه تجاه حملة إبقاء الوقود الاحفوري تحت الأرض.
لقد سبق خطاب معاليه المذكور أعلاه أن اتخذ معاليه عدة خطوات لتحسين سمعة المملكة التي شوّهها بعض أعضاء وفدنا في اتفاقية المناخ فأجرى معاليه تغييرا جذريا على وفد المملكة بعد شكوى رئيس لجنة IPCC بأن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تقدمت بخطاب رسمي يتهم علماء المناخ بأنهم يزيفون الحقائق.
الواقع ان حماس وترويج وفدنا – غير المفهومة دوافعه – لفضيحة ما يسمى: Climate gate كانت القشّة الأخيرة التي جعلت أصابع الاتهام جميعها موجهة إلينا من شتى الجهات: الحكومات، والمنظمات، والعلماء، والخبراء، والرأي العام العالمي مما سهّل مهمة أنصار البيئة بأن ينظموا حملتهم التي لاقت رواجا واسعا في باريس خلال مؤتمر الأطراف COP21 للاستغناء عن البترول.
كذلك البعض (بل معظم) كتابات الصحف الغربية تُفسّر اتجاه المملكة لطرح أسهم أرامكو في الأسواق المالية العالمية وتحويل ثمن الأسهم إلى ما يسمى صندوق سيادي على أنه ناتج عن حمل المملكة لحملة إبقاء البترول تحت الأرض على محمل الجد ولذا فإن المملكة تريد أن تتخلص من بترولها ببيعه قبل أن يستغني عنه العالم فيبقى حبيسا تحت الأرض لا تجد من يشتريه منها.
يبدو أن الخوف من نجاح حملة إبقاء البترول تحت الأرض بدأ غرس جذورها في عقولنا منذ العبارة المشهورة لمعالي الشيخ أحمد زكي يماني بأن عصر البترول سينتهي ليس لنضوب البترول ولكن للاستغناء عن البترول كما انتهى عصر الحجر.
في زاوية الأحد القادم – إن شاء الله – سنشرح كيف يتم إبقاء 80 % من الوقود الاحفوري مدفونا تحت الأرض وكيف يؤثر في حالة تنفيذه على بترول غوّارنا العظيم.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/06/05