فضحتنا يا علي كلاي
شاهر النهاري ..
للأسف أن العرب والمسلمين ينافقون ويكذبون على أنفسهم وعلى العالم بسرعة تفوق سرعة محاولاتهم للحاق بمراكب التطور والتقدم في الثقافة وشؤون الحقوق والواجبات الإنسانية.
وموت الأسطورة العالمية الأمريكي علي كلاي كان علامة فاضحة، ودلالة جديدة على تناقضنا، وعدم قدرتنا على نزع التفرد والقومية، والعنصرية من دمائنا، مهما حاولنا التقدم، وادعاء بحثنا عن حقوق الإنسان، وحريته، مهما اختلفت ملته.
حكاية الملاكم المسلم حظيت بشهرة نسينا معها الكثير من الحكايات المشابهة لها، فعشناها منذ بداياتها؛ وعند وفاته صورناها بطولة تعجز الأقلام، وتلهب العواطف، وتجعل الدمعات الحماسية تنطلق من المآقي المقهورة، وقد هاج على إثرها أغلب الإعلاميين حولنا لشرح أصل الحكاية، وتحديد مزايا الراحل وبطولة موقفه، وتأكيد عظمته برفض التجنيد الإجباري، والامتناع عن المحاربة مع قوات دولته أمريكا، لأن معتقده الإسلامي يمنعه من ذلك!
آلاف المقالات سطرت، وملايين التغريدات ترددت، وبرامج تلفزيونية وإذاعية كادت أن لا تتوقف، وكتب ومنشورات، وكلها تؤبن الراحل البطل، وتضخم في نقاء فعله التاريخي، الذي جعله بطلا أسطوريا لم تنجب الأرض له من مثيل.
وأنا هنا لا أريد أن أشكك في بطولته، ولا أريد أن أتطرق لشهرته، على إثر خوضه لرياضة عنيفة جعلته يعيش الأربعة عقود الأخيرة من حياته، وهو شبه حي، رحمه الله.
ولكني أريد أن أنفذ من قصته إلى تخيل وقصة أخرى للمقارنة، وأسأل كل من كتب عن بطولاته ومجده، وجعله بطلا قوميا، ماذا لو قام رياضي أيا كان مذهبه أو دينه في إحدى الدول العربية برفض الانضمام إلى جيش دولته، وعذره أن مذهبه أو دينه ينافي مبدأ ودين الدولة العربية!؟
يا للكارثة، فهل سيكون هذا الشخص بطلا في نظرنا جميعا؟ وهل ستكون كل الأقلام مسخرة للدفاع عن حريته بأن لا يقاتل مع جيش وطنه طالما أن معتقده يتنافى مع مبدأ الدولة ونهجها؟!
ماذا لو حدث ذلك في مصر مثلا، بأن رفض المسيحيون التجنيد الإجباري، الذي يتعين على كل مصري وطني القيام به؟
هل ستنبري أقلامنا وأقلام مثقفي مصر للدفاع عن حريتهم!؟
الأمر يدعو للتوقف والتساؤل، والمقارنة، وأن لا نعود لاستخدام موازيننا ذات الكفتين المختلفتين في كل الأحوال.
ألا ينطبق على دولنا ما نريد فرضه بالقوة على دولة عظمى مثل أمريكا، من شروط مواطنتها البسيطة أن لا يكون للدين تأثير على حقوق ولا واجبات مواطنيها؟!
الأمر محير، وعندما يحصل التناقض في الكيل من أقلام وعقول معتبرة، فهذا يزيد الحيرة والتشويش على عقول أجيالنا الحالية!
لماذا نطالب بشيء هناك، لأنه يصب في صالح ديننا، بينما نرفضه هنا، بل نسحق كل من يفكر فيه عندما يحدث في أوطاننا، ونعتبره خيانة عظمى تستحق القتل والنفي؟!
خرق مهول في فكر ثقافتنا، وتناقض يقض المضجع، وغفلة عن الحق يجب أن نتوقف عندها، ونعاود طرح هذه الأسئلة الأليمة علينا كمثقفين، فهل ما حدث يعتبر طبيعيا، وهل نحن فعلا نسعى للترقي، وللبحث عن الحقوق الإنسانية، والعدالة، وعن إزاحة الظلم عن كل أقلية في الكون، أم إن الأمر لا يعدو كونه عصبية عمياء كريهة، ما زالت تحركنا من الداخل دون أن نشعر؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/06/15