رأي غير مختص في آراء المختصين
مرزوق بن تنباك ..
القضايا العامة تحتاج لرأي المختصين والعارفين ببواطن الأمور وهذا أمر متفق عليه ولا خلاف بإتباعه واعتبار أن ما يراه المختصون من رأي راجحة كفته على كل رأي لا يتمتع أهله بالاختصاص، ولا يتكئ على الخبرة والمعرفة، فأهل مكة أعلم بشعابها، ولكن شعاب القضايا العامة التي تهم الناس كافة متعددة ومختلف بعضها عن بعض، وكل له فيها رأي يعلنه للناس أو يسره في نفسه، وما أكثر ما يسر المرء في نفسه من الأشياء التي يرى فيها غير المختص رأيا يخالف رأي المختصين، ثم لا تلبث الأيام أن تثبت أن رأي غير المختصين في القضايا العامة مهم مثل أهمية رأي المختصين أو أكثر منه صوابا، الفارق أن رأي غير المختصين لم يجرب ولم يفعل ولو جرب وفعل لكان مثل رأي المختصين له حظوظ من الصواب كثيرة.
في هذا المقال سأجرب الحديث عن استثمار صندوق الاستثمارات العامة للمملكة في شركة أوبر المعروفة في أمريكا وفي العالم وهذه الشركة تدير تطبيقا الكترونيا فيما يعرف بالمشاركة يربط السائقين غير المتفرغين للعمل بالركاب الذين يحتاجون خدمتهم ثم تنتهي علاقة أوبر باقتطاع عمولتها من المبلغ الذي يحصل عليه مقدم الخدمة ويدفعه طالبها وليس غير ذلك.
وأنا أعرف أن المختصين في الاقتصاد وكتاب الصفحات المتخصصة سيكتبون المطولات في أهمية هذه الخطوة وسيباركونها وستقرؤون التحليلات المؤيدة التي ترى أننا سنجني منها الخير الكثير إن شاء الله وأنا أتمنى ذلك، لكن دعونا نعرف بعض شيء عن شركة أوبر ثم نناقش القضية.
بدأت الشركة منذ خمس سنوات في سان فرانسيسكو أي عام 2011 وخلال هذه الفترة امتدت إلى أكثر المدن الأمريكية وبعض مدن العالم وصادفت نجاحا كبيرا في السنوات الخمس الماضية مما لفت إليها أنظار المستثمرين في أمريكا وخارجها، وسرعة نجاحها اعتمدت على نجاح التطبيق الالكتروني واستفادتها من تنظيم محكم كان استخدامه مريحا لقطاع كبير من المستفيدين في أول الأمر ومن ثم طورت الشركة خدماتها ليستفيد منها أكبر عدد من الناس هذا هو الجانب الإيجابي حتى الآن للشركة.
أما الجانب الحذر والاحتمالات الممكنة التي يجب أن يفكر فيها كل من يريد الاستثمار طويل الأجل فيها فتتلخص في النقاط التالية:
الشركة لا تملك أصولا ثابتة ولا حتى منقولة أو محسوسة وأقرب صفة لها هي أنها افتراضية معتمدة على ما يسمى اقتصاد المعرفة أو التكنولوجيا ومثل هذه الشركات تواجه عددا من المخاطر الكبيرة منها على سبيل المثال تسارع التقنية وتغيرها واكتشاف ما هو أكثر تقدما وإغراء للناس بين يوم وآخر مثلما حدث لبعض برامج الانترنت وتطبيقاتها الأولى التي كانت يوما ما يعتمد عليها ثم حدث تطور أفقدها أهميتها وجاءت برامج أكثر منها دقة وسرعة وإتقانا فاختفت الأولى من الوجود، ومن المخاطر أن التطبيق الذي تستعمله أوبر أصبح معروفا للشركات المنافسة فقد تقوم الشركات المنافسة بالتطبيق نفسه أو ما يشابهه وهو ما حدث فعلا في بعض الدول في الصين وحتى في العالم العربي مثل تطبيق كريم وهذا يشكل خطرا محتملا على الشركة أيضا وعلى مكاسبها وانتشارها في غير أمريكا، وغير هذه الاحتمالات هناك احتمال أهم وهو قيام بعض الدول بسن تنظيمات لحماية شركاتها المحلية من منافسة أوبر وقد بدأ عدد من الدول وعدد من شركات النقل العام بالاحتجاج والمعارضة لأوبر وطالبت بمنعها من العمل في دولها، وأولها مدينة برلين في ألمانيا التي منعت حكومتها أوبر من العمل فيها، وفي لندن وباريس ومدريد تقوم شركات النقل المحلية باحتجاجات ومظاهرات تطالب بمنعها من العمل.
وأما أهم المخاطر التي قد يواجهها المستثمرون في مثل هذه الشركات فهي صعوبة التخارج منها عند الرغبة في ذلك لأي سبب كان ولا سيما إذا كان الاستثمار بمبلغ كبير، كل هذه الاحتمالات قد تقلل من البريق الذي حصلت عليه الشركة خلال السنوات الخمس من عمرها. ورغم احتمال تحقيق أرباح عالية في شركات المشاركة المعرفية مثل أوبر إلا أن هناك احتمالا لمخاطر عالية أيضا تواجه الشركات ذات الانتشار السريع وهذا ما لا يشجع الصناديق السيادية على الاستثمار فيها.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/06/15