«والخبز بريال»
محمد اليامي ..
لا أعرف كيف يفكر بعض أعضاء مجلس الشورى في السعودية، ويخيل لي أحياناً أن بعض توصياتهم وتعليقاتهم هي لإثارة الرأي العام وتحقيق شهرة إعلامية وفي أحيان أخرى أرثي لحال الأذكياء المتقدة عقولهم منهم والذين طرحوا مشاريع مميزة يأتي تنفيذها متأخراً لدرجة أن ينسى الناس من أوصى بها مثل صندوق النفقة على المطلقات أثناء التقاضي!
بالأمس نشرت «الحياة» مطالبة عضو مجلس شورى بتقليص الدعم على المواد الغذائية مثل الدقيق ليصبح سعرها السعودي مثل نظيره العالمي، وذلك «لترشيد الإسراف»، معتبراً أن ارتفاع «سعر الخبز» إلى ريالين لن يؤثر في المواطنين.
العضو سامي زيدان يقول: «إن رفع الدعم عن المواد الغذائية مثل الدقيق والرز وغيرهما من المواد المدعومة يسهم في توفير مبالغ للدولة، وعدم إساءة استخدام الدقيق، خصوصاً بعد تحويله إلى خبز بسبب كثرة استهلاكه زيادة على الحاجة، فهناك من يقدمه علفاً للماشية، وكميات كبيرة منه ترمى في سلال القمامة».
العضو الذي يبدو أنه ثري ولا يعرف معنى الفقر وإحساس الفقراء يصف مضاعفة سعر الخبز بأنها «ليست بالزيادة الكبيرة على الأغنياء الذين لا يؤثر فيهم رفع الدعم من عدمه».
لا أعرف إذا ما كانت «الدولة» التي يرغب العضو في توفير المبالغ لها انتهت من كل مناحي الهدر في الوزارات ومجلس الشورى نفسه والتذاكر ولم يبق إلا الخبز، وأزعم أن الورد والكماليات اليومية في مجلس الشورى نفسه، وبعض الوزارات لو تم إلغاؤها لوفرت لخزانة الدولة المال الكثير من دون أن تمس أرغفة الناس وتوجع قلوبهم. العضو يقترح أن تدعم السعودية الفقراء بمبالغ مالية تقيسها الدولة بحسب عدد أفراد الأسرة والمنطقة والراتب وحجم السوق والحاجة، كما يحدث في دفع فاتورة الكهرباء لمستفيدي الضمان من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهو يحتج على أن يدفع الغني ريالاً للخبز كما يدفعه الفقير. من سيحدد الفقراء، أم أنه يريد من أصحاب الدخل المتوسط أن يسجلوا في الضمان حتى يحصلوا على الخبر بسعر ريال واحد؟ ألا يعلم العضو أن كثيراً من الأسر لم تصل إلى مرحلة الضمان لأن الخبز أبو ريال يكفيهم عشاء إذا قسم شطائر أو ساندويتشات دهنت بالجبن أو حشيت به أو بالتونة أو الحلاوة أو غيرها من «حواضر البيت» أو إذا تم «تغميسه» في الشاي؟
إذا كان العضو الموقر يعرف في مجتمعه من يعطي الخبز للماشية، فهذا ليس ذنب عامة الشعب، وإذا كان الوصول للأسعار العالمية مستساغاً عند الحديث عن الطاقة والبيئة وغيرها، فهو ليس كذلك عند الحديث عن الخبز، القوت اليومي الذي لا يستغني عنه أحد. كل هذا الحديث ينبئ بفشل المؤسسة التعليمية، ومن قبلها المؤسستان الدينية والإعلامية في السعودية في توعية الناس عن قيمة النعمة وعدم الإسراف فيها، لكن هذا الفشل يجب ألا يدفع قيمته الفقراء والمتعففون والطبقة الوسطى التي تتآكل يوماً بعد يوم.
صحيفة الحياة
أضيف بتاريخ :2016/06/16